ج ٣، ص : ٧١٢
لك شبهة في تناسب خلق الرحمن واستكماله لكل أسباب الحكمة. فارجع البصر هل ترى من فطور أو شقوق ؟ الجواب : لا. ثم ارجع البصر، ودقق النظر مرة بعد مرة - والمراد التكثير في النظر لمعرفة الخلل - يعد إليك البصر محروما من إدراك العيب والخلل في السموات، فكأن النظر طرد عن ذلك طردا بالصغار وعاد خاسئا ذليلا، وهو كليل من طول معاودة النظر.
وعلى الجملة فالسماوات السبع، وما فيهن آية من آيات اللّه الكبرى لو تأملت ما فيها من تناسب وتجاذب وإحكام ودقة ونظام لا يختل أبدا مع سرعة دورانها، لهالك هذا النظام العجيب، وإن شككت في ذلك فارجع البصر مرة بعد مرة فإنه سيرتد إليك خائبا خاسئا وهو كليل وضعيف أمام هذه القدرة العظيمة.
فهذه السموات السبع خالية من العيوب والخلل، وهي كذلك في غاية الحسن والبهاء. ولقد زينا السماء الدنيا بزينة هي الكواكب، فهي في السماء كالمصابيح في السقوف، وإنك لترى السماء ليلا، وكأنها عروس ليلة الزفاف، وهذه النجوم والأفلاك ينفصل منها أجزاء ملتهبة أو تلتهب من الاحتكاك بالأجواء هذه الأجزاء جعلت رجوما للشياطين، وأعدت لذلك فلم يعد للشياطين طريق لاستراق السمع من السماء، ولم يعد للدجالين الكذابين طريق للكذب على الناس، حيث إن اللّه أخبر أن النجوم خلقت زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وأعتدنا لأولئك الشياطين عذاب النار المسعرة المشتعلة في الآخرة.
وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم، وبئس المصير مصيرهم، إذا ألقوا فيها سمعوا لها صوتا منكرا كصوت الحمار « ١ »، وهو حسيسها حالة كونها تفور بهم وتغلى غليان المرجل، ويا ويلهم حينما يرون النار، تكاد تتميز، أى : ينفصل بعضها عن بعض من شدة الغيظ « ٢ » والغضب! وهذا وصف لجهنم دقيق.
وهاك وصفا لمن فيها : كلما ألقى فيها جماعة من أصحابها سألهم خزنتها وزبانيتها قائلين لهم : ألم يأتكم نذير يتلو عليكم آيات اللّه، وينذركم لقاء ربكم ؟ قالوا : بلى قد
(١) - وعلى ذلك ففي (شهيق) استعارة صريحة.
(٢) - جهنم لا يعقل أن يكون لها غيظ وغضب وإنما يجوز أن يكون في الكلام استعارة تصريحية حيث شبه اشتعال النار بهم وشدة تأثيرها فيهم باغتياظ المغتاظ على غيره المبالغ في إيصال الضرر، ويجوز أن يكون الغضب للزبانية.