ج ٣، ص : ٧٢٦
أرسل لهم رسول اللّه بالهدى ودين الحق ليخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الهدى والعلم، ومع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قرآن فيه ذكرهم وشرفهم يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم، ولكنهم كفروا وكذبوا، ولم يراعوا حق اللّه، وكفروا بالنعم فاستحقوا العذاب والهلاك، أليس هذا بلاء وأى بلاء ؟
إنا بلونا أهل مكة بالنعم، ثم بإرسال إمام الرسل، فكفروا واستحقوا من اللّه عظيم النقم، حيث اغتروا بالمال والأهل والولد، ولم يرعوا حق اللّه فيهم، كما بلونا أصحاب البستان كثير الخير والبركات عظيم الثمر، ملتف الأغصان، ولكنهم ما عرفوا حق اللّه وكفروا بالمساكين وحقوقهم، ثم بعد ذلك ندموا، ولات ساعة الندم.
ولأصحاب البستان قصة خلاصتها : كان هناك رجل صالح يخاف اللّه، ويعطى حقوق المساكين، ويعلن عن يوم الجنى ليحضر كل مستحق فيأخذ من خير اللّه ما يستحق، ثم توفى هذا الرجل وخلفه أولاده على البستان وكانوا كثرة، ثم لما قرب جنى الثمار تذاكروا فيما بينهم ماذا يفعلون كما كان أبوهم يفعل ؟ لا. إنه كان رجلا طيبا، وكان فردا واحدا منهم تبعاته قليلة، أما نحن فجماعة ولنا أولاد، وبأى شيء يستحق المسكين في البستان ؟ ونحن الذين قمنا بالحرث والزرع والتسميد. لا. لا. لن نعطى أحدا، قالوا هذا إلا واحدا منهم وعظهم فلم يتعظوا، وأمرهم فلم يأتمروا، وكان واحدا وهم جماعة فنزل على إرادتهم مكرها، ولا تنس قول اللّه : الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا [سورة البقرة آية ٢٦٨].
عقدوا أمرهم عشاء على أن يذهبوا مبكرين في الصباح ليصرموا الجنة وحدهم بدون أن يعلم المساكين ولم يقولوا : إن شاء اللّه، وظنوا أنهم قادرون على منعهم، وبيناهم كذلك إذ طاف عليها طائف من ربك، وطرقها بلاء عظيم لم يكن للإنسان فيه أى مدخل، فأصبحت كالبستان المصروم ثمره. أصبحت كقطعة الليل ظلاما، أرأيت إلى حقل القطن بعد الجنى ؟ إنه كالليل الأسود.
فلما رأوها هكذا، بعد أن ساروا ليلا في السر، وكتموا أنفاسهم حتى لا يعلم مسكين قصدهم، لما رأوها قالوا : يا ويلنا إنّا لضالون حيث منعنا حقوق المساكين وغفلنا عن قدرة اللّه الكبير، ثم بعد ذلك ذهبوا إلى أبعد من هذا قائلين : لا تظنوا أنا حرمنا المساكين بفعلنا هذا. لا. ليسوا محرومين أبدا فإن اللّه موجود، ولكن نحن