ج ٣، ص : ٧٢٩
المعنى :
إن للمتقين الذين اتقوا اللّه واتخذوا لأنفسهم الوقاية من عذاب اللّه حيث امتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه، هؤلاء لهم عند ربهم جنات النعيم، إن للمتقين - لا الكافرين المكذبين - جنات النعيم، وانظر إلى قوله : عند ربهم : فهل يعقل أن يكون للكفار جنة مثلهم عند ربهم ؟ وقد كفروا به ولم يعرفوا له حقه.
يقول الحق - تبارك وتعالى - : عجبا لكم أيها الكفار، أفنجور في الحكم - وهذا محال - فنجعل المسلمين المتقين كالمجرمين الكافرين، ثم التفت لهم لتأكيد الرد وتشديده قائلا : ما لكم ؟ أى شيء حصل لكم من خلل في العقل وسوء في الرأى ؟
كيف تحكمون ؟ أى : على أى وضع حكمتم هذا الحكم ؟ هل هو عن عقل أو عن اختلال فكر وسوء رأى ؟ « ١ ». لا. إنه حكم مجرد عن العقل والنظر السليم.
أم لكم كتاب فيه تدرسون ؟ إن لكم فيه لما تخيرون ؟ بل « ٢ » ألكم كتاب مكتوب سواء كان سماويا أو غيره تدرسون فيه وتقرأون إن لكم فيه الذي تتخيرونه وترضونه بقطع النظر عن أى اعتبار! لا شيء من هذا.
لم يكن لكم كتاب فيه ما تقولونه من أن لكم يوم القيامة ما تختارونه. بل ألكم أيمان، وعهود علينا، أيمان مغلظة وعهود موثقة تبلغ إلى يوم القيامة. جوابها إن لكم لما تحكمون!.. لا شيء من هذا أبدا.
سلهم يا محمد متحديا : إن كان لهم كتاب فيه ما ذكر فليبرزوه، وإن كان لهم يمين من اللّه فليظهروه، وإن كان لهم زعيم وضامن لهم ما يقولون فمن هو ؟
فليس معهم دليل نقلي من كتاب اللّه أو غيره، وليست لهم حجة ظنية من يمين أو غيره وليس لهم ضامن يضمن قولهم فماذا بعد هذا ؟ !
(١) - « ما لكم كيف تحكمون » جملتان استفهاميتان الأولى هي (ما لكم). وهي مبتدأ وخبر، والثانية هي كيف تحكمون ؟
(٢) - أم لكم كتاب (أم) بمعنى بل والهمزة، بل الانتقالية من حديث إلى آخر، والهمزة للاستفهام التوبيخي، وكذا يقال في أخواتها التي هنا، وجملة (إن لكم لما تخيرون) مفعول في المعنى لتدرسون، وكان حقها فتح أن لكن اللام التي في خبرها علقت الفعل وهو تدرسون عن العمل فكسرت إن. [.....]