ج ٣، ص : ٧٤
ما جعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه، وما جعل أزواجكم اللاتي تظاهرون منهن أمهاتكم كما كانوا يقولون - على سبيل التحريم - : أنت على كظهر أمى، أى : أنت محرمة على كتحريم ظهر أمى على، فجعل زوجته كأمه، ولكن اللّه - سبحانه وتعالى - ما جعل الزوجة كالأم، وإن من يظاهر من امرأته ليقول منكرا من القول وزورا، فإذا عاد في ظهاره بمعنى أنه مضى عليه وقت يتمكن فيه من الطلاق ولم يطلق وجبت عليه كفارة الظهار (عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا) وسيأتى في سورة المجادلة تفصيل وبيان لذلك.
وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذكر القرطبي في تفسيره : أنه أجمع أهل التفسير على أن هذه نزلت في زيد بن حارثة، وروى الأئمة أن ابن عمر قال : ما كنا ندعو زيد ابن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزلت ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ.
وزيد هذا كان مسبيا من الشام، سبته خيل من تهامة فابتاعه حكيم بن حزام بن خويلد فوهبه لعمته خديجة ثم وهبته للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم فأعتقه وتبناه، وقد اختار زيد الرق مع رسول اللّه على الحرية مع أهله وقومه، فتبناه النبي و
قال :« يا معشر قريش اشهدوا أنّه ابني يرثني وأرثه »
ومن هنا نفهم أن التبني كان معمولا به في الجاهلية، وأقره الإسلام مدة، ثم جاء فحرمه حيث قال :
ذلكم، أى : دعاؤكم الذين تبنيتموهم قول باللسان فقط لا أساس له من شرع أو عقل، وذلك تأكيد لبطلان القول بهذا، بل الواجب أن تدعوهم لآبائهم في النسب لا في التبني، فالله يقول الحق، وهو يهدى إلى سواء السبيل، والواجب أن تترك تلك العادة وأن تدعوا الإنسان إلى أبيه في النسب فقد قال الحق تبارك وتعالى ما معناه..
ادعوا الذين تبنيتموهم لآبائهم هو أقسط عند اللّه وأعدل، فمثلا يقال : زيد بن حارثة لا زيد بن محمد كما كان الناس يقولون.
فإن لم تعلموا آباءهم فهم إخوانكم في الدين ومن بنى عمومتكم فمثلا تقولون لغير معروف النسب : يا فلان. يا أخى. يا بن عمى.. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات ١٠].
ولو نسب الإنسان إلى أبيه من التبني لا من النسب فإن كان ذلك على جهة الخطأ من غير تعمد فلا إثم ولا مؤاخذة لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ