ج ٣، ص : ٧٤٤
لقد أجاب اللّه عن هذا السؤال بقوله : هو للكافرين، ليس له دافع، أى : هذا العذاب معد ومهيأ للكافرين، ليس له مانع يمنعه من اللّه رفيع الدرجات صاحب المعارج والمراقي إلى الكمالات وهذه المعارج إذا نسبت إلى الحق - تبارك وتعالى - كانت بمعنى علو الذات وترفعها عن النقائص ووصفها بكل الكمالات.
تعرج وتصعد إليه الملائكة - وخاصة جبريل - في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة من سنى الدنيا، تعرج إلى حظيرة القدس، حيث يفاض عليها من التجليات الإلهية، والأوامر الربانية ما به يحصل النظام العام للكون، وما يتعلق بتدبير الكائنات، فليس عروجهم وصعودهم إلى مكان لأنه منزه عن الحلول بالمكان.
وهل هذا اليوم الطويل هو كناية عن أيام الدنيا أو الآخرة ؟ قيل بهذا وبذاك، واللّه أعلم بكتابه، على أن المراد بقوله :(خمسين ألف سنة) هو الكثرة المطلقة لا التحديد بهذا العدد، والعرب تفعل هذا كثيرا في كلامها.
بقي أن نفهم السر في الارتباط بين سؤال السائل والعذاب الواقع، وبين عروج الملائكة وترددها بين اللّه - سبحانه وتعالى - وبين هذه الأكوان بما يريده منها ويقضيه فيها.
الجواب : أن المعنى : هذا معد للكافرين، ليس لهم ما يمنعهم من عذاب اللّه أبدا، ثم نبههم بقوله : تعرج الملائكة... الآية إلى أن هذا العذاب إنما يرونه بعيدا لطول مدة الدنيا في نظرهم، مع أنها ليست كذلك عند اللّه تعالى، وبالنسبة إلى الأحقاب التي تربط الأبد بالأزل، سوى يوم واحد تعرج فيه الملائكة إلى اللّه بالتدبير لهذه الدنيا التي ترونها خمسين ألف سنة، فما لكم تستعجلون العذاب ؟ فهم يرون العذاب بعيدا جدّا لأن الدنيا في نظرهم طويلة جدّا، وأما عند اللّه فالدنيا يوم واحد وزمن قليل فما لكم تستبطئون الحساب ؟ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ « ١ » ترى أن اللّه قدر اليوم عنده بألف سنة مرة، وأخرى بخمسين ألف سنة، والمراد الكثرة لا التحديد بزمن - واللّه أعلم - وقيل : المراد باليوم هو يوم القيامة وصف بأنه خمسون ألف سنة تهويلا وتخويفا للكفار، والخلاصة أن المراد وصف اليوم بالطول مطلقا.
(١) - سورة الحج آية ٤٧.