ج ٣، ص : ٧٤٩
شاخصين بأبصارهم لك. عِزِينَ : جمع عزة، وهي العصبة والجماعة، وكأنها سميت بذلك لأنها تعزى وتنتسب إلى رأى خاص يجمع بين أفرادها، والمراد أنهم كانوا يجلسون حوله جماعات. بِمَسْبُوقِينَ : بمغلوبين. فَذَرْهُمْ : اتركهم. يَخُوضُوا :
يتحدثوا في الباطل. الْأَجْداثِ : جمع جدث، وهو القبر. سِراعاً :
مسرعين. نُصُبٍ جمع أنصاب، وهو كل ما نصب وأقيم للعبادة. يُوفِضُونَ :
يستبقون ويسرعون. خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ : ذليلة كسيرة.
وهذا ختام للسورة بديع، إذ بعد أن رد على سؤالهم عن العذاب، ووصف ما يلاقونه يوم الحساب، تعرض إلى طبيعة الإنسان، وبين علاج ذلك، يذكر صفات المؤمنين عادة إلى المكذبين ليختم السورة ببيان حالهم ونهايتهم وتهديدهم.
المعنى :
كان المشركون إذا سمعوا النبي يتلو القرآن أقبلوا مسرعين عليه مادى أعناقهم إليه شاخصة أبصارهم نحوه، خائفين مضطربين، حتى إذا اجتمعوا به هدأت نفوسهم قليلا فجلسوا متفرقين حوله عن اليمين وعن الشمال جماعات جماعات كأنهم يأتون أول الأمر وجلين خائفين حتى إذا هدأت قلوبهم - نوعا ما - تحلقوا حول النبي حلقا هنا وهناك يتساءلون - مع الإعراض والهزء به - ماذا قال ؟ فإذا سمعوا من آيات اللّه وصف الجنة، وما أعد للمؤمنين فيها من نعيم مقيم، مالت رؤوسهم هازئين ساخرين قائلين : إن كان هؤلاء القوم - أتباع محمد - سيدخلون هذه الجنة، فنحن أولى بها فإنا أشراف العرب وساداتها وهم خدمنا وعبيدنا.
فقال تعالى متعجبا من حالهم ومنكرا له : أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم!! عجبا لهؤلاء القوم! كلا وألف كلا! ليس الأمر كما زعموا إن الجنة أعدت للذين آمنوا باللّه ورسوله وعملوا الصالحات من الأعمال، إنا خلقناهم وخلقنا غيرهم مما يعلمون : من ماء مهين، من نطفة قذرة، فالكل سواء في هذا ولا فضل لشريف على غيره. وإنما الفضل - وأعلاه دخول الجنة - يكون بالإيمان لا بغيره، وما لكم تستبعدون ذلك ؟ أليس اللّه خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة... إلخ ؟ فالقادر على ذلك قادر على البعث وإعطاء كل ذي حق حقه.