ج ٣، ص : ٧٥٥
أحوال تكاد تكون متباينة، ألم يخلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم أخرجكم أطفالا ثم كنتم شيوخا، أليس صاحب هذا بقادر على كل شيء فما لكم لا تخافون عظمة اللّه ؟ ولا تؤمنون بيوم القيامة! ثم لفت نظرهم إلى هذا الكون بعد أن نبههم إلى ما في أنفسهم من آيات فقال : ألم تروا السماء كيف خلقت ؟ لقد خلقها اللّه سبع سموات طباقا، ما ترى فيها من نقص ولا تفاوت، وجعل القمر في إحداهن نورا، وجعل الشمس في أخرى سراجا وهاجا.
يا سبحان اللّه لقد جعل الحكيم العليم للقمر نورا، وللشمس سراجا، لأن الدنيا ستصبح بنور الشمس على أنه نور قوى شديد، ونور القمر بسيط يضيء في الليل نوعا ما، وهو نور منعكس ليس من ذات القمر وهُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً « ١ » وقد توصل العلم إلى بعض الحقائق الثابتة في كتاب اللّه.. ثم لفت نظرهم إلى أنفسهم فقال : وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً نعم هو خلقنا من تراب، فعناصرنا المادية تراب مخلوط بماء، ثم كانت النطفة، والنطفة خلاصة الدم، والدم من الغذاء والغذاء من الأرض، فاللّه سبحانه أنبت الإنسان من الأرض نباتا كالشجر، ولكنه ميزه عنه بالحياة الحيوانية، ثم كمله بالعقل والتفكير، وشرفه بالرسالات الإلهية، فما لكم لا تؤمنون، لأى سبب تكفرون.
ثم بعد هذا يعيدكم إلى الأرض أمواتا، ثم يخرجكم منها إخراجا للبعث والجزاء... ثم لفت نظرهم إلى الأرض التي أقلتهم فقال : لقد جعلت لكم الأرض بساطا، فهي ممهدة للعيش، ميسرة سهلة للانتقال، لتسلكوا منها طرقا واسعة توصلكم إلى أغراضكم.
هذا هو الدور الثالث في القصة.
وقد أخذ نوح بعد هذا يشكو إلى ربه عصيان قومه مبينا سبب هذا العصيان ونهايته، وفي هذا كشف لحقيقة كان يجهلها عامة المشركين.
قال نوح : رب إنهم عصوني وخالفوا أمرى واتبعوا رؤساءهم الذين حملوهم على الكفر، وأشاروا عليهم به لأنهم أصحاب مال وأولاد. فاغتروا بهم، واستكبروا واشتروا الضلالة بالهدى، وآثروا هذا الجاه الكاذب على النعيم الدائم، هؤلاء الرؤساء مكروا بعامتهم وبنوح مكرا كثيرا. فأما مكرهم بالشعب فلأنهم ضللوهم عن اتباع الحق، وحالوا بينهم وبين الإيمان بنوح - عليه السلام - وأما مكرهم بنوح فلأنهم
(١) - سورة يونس آية ٥.