ج ٣، ص : ٧٥٩
لقد ثبت في الصحاح أن الجن « ١ » استمعوا للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يصلى بأصحابه، ويقرأ القرآن بصوت أمال الجن فصرفهم إليه، فلما استمعوا، وأفهموا حقائق من كلام اللّه انطلقوا إلى أهليهم يبشرونهم ويحملون إليهم ما عرفوه، ولقد أوحى اللّه إلى النبي بهذا ليطمئن خاطره، وتستمر نفسه كما هي قوية شديدة في دعوتها، فإن أعرض عنها المشركون فها هم أولاء الجن يؤمنون ويدعون غيرهم للإيمان بها، نزلت هذه الآية بالإجمال في سورة الأحقاف، الآيتان : ٢٩، ٣٠ ومرة بالتفصيل كما هنا، نزلت فيما نزلت تبكيتا لقريش والعرب، حيث تباطأوا عن الإيمان وكانت الجن أسرع منهم في قبول الدعوة مع أنهم من غير جنس البشر، أما القرشيون والعرب فقد كذبوا حسدا من عند أنفسهم وبغيا أن ينزل اللّه من فضله على من يشاء من عباده.
المعنى :
قل لهم يا محمد : لقد أوحى اللّه إلىّ أنه استمع نفر من الجن إلى القرآن فقالوا لقومهم عند رجوعهم إليهم : إنا سمعنا قرآنا جليل الشأن بديعا يدعو إلى العجب لأنه مخالف لكلام البشر، بل ولكل الكتب السابقة، في نظامه وأسلوبه وأغراضه ومعانيه، وهو كتاب يهدى إلى الرشد وإلى الخير والحق، وإلى الصراط المستقيم، فنشأ عن ذلك أننا آمنا به وبمن أنزل عليه، وبعد ما آمنا بالقوى القادر الذي أنزله على عبده محمد، ولن نشرك بعد هذا بربنا أحدا من خلقه أيّا كان.
وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا « ٢ » أى : وصدقنا أن الحال والشأن ارتفع جلال ربنا وعظمته أى : عظمت عظمته وتعالى سلطانه، فهو صاحب الملك والسلطان، تبارك

_
(١) عالم آخر غير عالمنا، مستتر لا يرى، اللّه أعلم بحقيقته، ولا نعرف عنه الا ما أخبرنا به الحق أو رسوله في خبره الصحيح، فهو مخلوق من نار وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ وقد بعثت لهم الرسل كما نص القرآن ا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ
؟ وهم كالبشر سواء بسواء، يثاب مؤمنهم، ويعاقب كافرهم، وهل أمر النبي بدعوتهم فدعاهم أو هم صرفوا إليه فدعاهم ثانيا، اللّه أعلم. هذا عالم غيبي فلا نقول فيه إلا ما قاله خالقه الذي يعلمه.
(٢) هنا بضع عشرة آية مفتتحة بأن، وقد اختلف القراء في فتح أن وكسرها وقيل : الكسر في الجميع، وقيل :
اتفقوا على الفتح في (أنه استمع). (و أن المساجد للّه) ووجه الخلاف في ذلك أن قوله تعالى : قل أوحى إلى أنه استمع، وقوله : فقالوا إنا سمعنا.. فآمنا به تصلح أن تكون معطوفا عليه ثم جاءت هذه الآيات فهل تعطف بالفتح على الموحى به الذي هو أنه استمع ؟ أو بالكسر على المقول أى : إنا سمعنا، وجوز بعضهم الفتح عطفا على محل الجار والمجرور في قوله : آمنا به كأنه قيل : صدقنا به، وصدقنا بأنه تعالى جد ربنا، كذلك البواقي، ولك أن تقدر له فعلا يناسب المقام كما ذكر في الشرح.


الصفحة التالية
Icon