ج ٣، ص : ٧٦
الدنيا والدين، فواجب عليهم أن يكون اللّه ورسوله أحب إليهم من كل ما سواه حتى أنفسهم، وأن يكون حكمه أنفذ عليهم من حكم أنفسهم، وحقه أثبت لديهم من حقوق أنفسهم وتكون نفوسهم فداء له وأجسامهم وقاية له من كل شر، وكل ما يملكون تحت قدميه، وكل ما أمر به أو نهى عنه أقبلوا عليه مؤمنين به، إذ هو إرشاد لهم وتوجيه، ليظفروا بسعادة الدارين، فهو أولى بالمؤمنين، على معنى أرأف بهم وأعطف عليهم وأنفع لهم من أنفسهم.
وأزواجه أمهاتهم في التعظيم والمحبة والإجلال وحرمة النكاح وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً « ١ » وهذه كرامة لهن فقط، وحفظ لحقوقهن فقط فليس بناتهن إخوة، ولا أخواتهن خالات للمؤمنين.
وكان المسلمون في صدر الإسلام يتوارثون بالولاية في الدين وبالهجرة لا بالقرابة، فبين اللّه تعالى أن القرابة أولى من الحلف، والوراثة باسم الدين والهجرة، وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه - القرآن - أى : أولى من سائر المؤمنين والمهاجرين.
لكن أن تفعلوا إلى أوليائكم، أى : من توالونهم وتوادونهم من المؤمنين والمهاجرين والأجانب، أن تفعلوا معروفا كوصية فجائز لا شيء فيه، وإنما المحرم الإرث، كان ذلك، أى : تحريم الإرث بالإيمان والهجرة ووجوب الإرث بالقرابة والرحم، كان ذلك في الكتاب، أى : القرآن مكتوبا ومسطورا.
واذكر وقت أن أخذنا من النبيين ميثاقهم وعهدهم المؤكد عليهم بأن يبشر بعضهم ببعض، ويصدق بعضهم بعضا، وإذ أخذنا منك يا محمد، ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى - عليهم الصلاة والسلام - وخص هؤلاء بالذكر مع اندراجهم في النبيين لأنهم أصحاب شرائع وكتب، وهم أولو العزم من الرسل، وهذا مما يؤكد تحريم التوارث بين المؤمن والكافر المفهوم من السياق، فهو مما لم تختلف فيه شريعة نوح ومن معه مع شريعة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم.
والخلاصة : أنه كان في ابتداء الإسلام توارث بالهجرة ثم توارث بالقرابة مع الإيمان، وأما التوارث بين مؤمن وكافر فلم يكن دين أحد من الأنبياء الذين أخذ عليهم الميثاق، فلا تداهنوا في الدين، ولا تمالئوا الكفار.
(١) - سورة الأحزاب آية ٥٣.