ج ٣، ص : ٧٦٩
يا أيها المزمل : قم الليل إلا نصفه أو قلل منه قليلا أو زد عليه قليلا، ورتل القرآن في تهجدك ترتيلا، واقرأه بتثبت وتدبر، وتؤدة وتأن فإن القرآن جلاء القلوب، وحياة النفوس.
ولقد امتثل النبي أمر ربه، وتأدب بأدب القرآن، وسهر الليل وجاهد النفس واقتدى به أصحابه حتى شحبت ألوانهم وضعفت أجسامهم وتورمت أقدامهم حتى كأنهم تخطوا الحدود المرسومة فأنزل اللّه طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى.
ولقد أخذ القرآن يذكر سبب هذا الأمر فقال ما معناه : يا محمد إنك تحمل أكبر رسالة، وتدعو الناس إلى أضخم دعوة : دعوة الحق والحرية والكرامة. وسيكون لك أعداء، وسيكون لمن يدعو بدعوتك أعداء، لهذا أمرناك بإعداد نفسك وجسمك إلى تحمل هذه الرسالة، إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا وقعه شديدا وطؤه على الكفار والمشركين، ولا ينفع هذا إلا تقوية الجسم والروح، وتدبر القرآن وتفهم معناه.
وكأن سائلا سأل شاكا في أن قيام الليل وتدبر القرآن مما يساعد على تحمل مشاق الدعوة، فقال : إن ما حدث في الليل من قيام وصلاة وقراءة قرآن وتدبر له هو أشد وطئا، وأصعب على النفس الإنسانية، وهذا بلا شك مما يساعدها على تحمل المشاق ويقويها فتصبر على المكروه ولا شك أن الليل حيث السكون والصفاء مما يساعد على تدبر القرآن وتفهم معناه.
إن لك في النهار عملا كثيرا متواصلا سريعا فلم يبق إلا الليل، فاغتنم جزءا منه يكن لك خير كثير وفضل كبير.
واذكر اسم ربك وتوكل عليه وحده، وانقطع عما سواه فلن ينفعك غيره، وهكذا المؤمن الكامل لا يتوكل إلا عليه ولا يعتمد على سواه، ولا ينقطع عن كل ذلك لأنه رب المشرق والمغرب وما بينهما، لا إله غيره، وكيف يكون غير ذلك ؟ ! وكل ما في الكون شرقه وغربه شاهد عدل على وحدانية اللّه، وأنه لا إله غيره، ولا معبود سواه، إذا كان الأمر كذلك فاتخذه وكيلا، واعتمد عليه وحده في دعوتك الخلق إلى الإسلام..