ج ٣، ص : ٧٨٧
بَلْ « ١ » يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ وهذا إضراب عن توبيخ الإنسان والإنكار عليه لأنه يكذب بيوم الدين إلى توبيخه على فعل أشد وأدعى للإنكار. وهو أنه ينكر البعث لأنه يريد أن يتمادى في الشر. وينبعث في ارتكاب الإثم طول حياته، فهو يريد أن يعيش كالحيوان لا عقل يمنعه ولا دين يردعه.
وهذا الإنسان المرتكب للمعاصي الفاجر المتعامى عن الحق فإذا وعظه واعظ أو ذكر بيوم القيامة سأل منكرا مستهزئا متعنتا : أيان يوم القيامة ؟ !! أى : متى هو ؟ أقريب أم بعيد ؟ ويظل هذا الوضيع سادرا في غيه لاهيا في شهواته ونزواته، فإذا برق بصره، وخسف القمر وانكسف نوره، واختل نظام الكون حتى جمعت الشمس والقمر في مكان واحد وزمان واحد، وإذا حصل هذا يقول متحيرا يومئذ : أين المفر ؟ أين النجاة وأين السبيل ؟ ! كلا « ٢ » وألف كلا! اليوم لا وزر ولا ملجأ، ولا معين ولا ناصر، لا ملجأ منه إلا إليه، ولا حصن من عذابه إلا عفوه، إلى ربك يومئذ المستقر، وإليه وحده الالتجاء والسكون، وماذا بعد هذا ؟ ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم من عمل لذلك اليوم وما أخر من أمور طلبت منه ولم يعملها، والمراد بالإخبار مجازاته على عمله كله إن خيرا فخير وإن شرّا فشر.
ثم أضرب الحق - تبارك وتعالى - عن إخباره بأعماله إلى مرتبة أتم وأوضح فقال :
بل الإنسان على نفسه شاهد وحجة ورقيب، وعلى ذلك فالمعنى أن الإنسان يوم القيامة ينبأ بعمله، والمراد يجازى عليه، على أنه هو شاهد على نفسه وسوء عمله وقبيح أثره في الدنيا. فليس الأمر في حاجة إلى شهيد آخر يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ « ٣ ». كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً « ٤ » فالإنسان يشهد على عمله، ولو ألقى أعذاره، وحمله الخجل والخوف على خلق أعذار كاذبة، فإن شهادة نفسه عليه أحق بالقبول من هذه المعاذير.
(١) هذا حرف يفيد الإضراب الانتقالى من أسلوب لآخر، أو من حجة لأخرى. [.....]
(٢) هي كلمة زجر وردع للمخاطب.
(٣) سورة النور آية ٢٤.
(٤) سورة الإسراء آية ١٤.