ج ٣، ص : ٧٩٧
كافأهم اللّه على ذلك بأن وقاهم شر ذلك اليوم وألقى عليهم بدل العبوس والظلمة والشدة والرهق حسنا وبهجة وبهاء. وسرورا، أعطاهم جنة تجرى من تحتها الأنهار، أكلها دائم، وظلها كذلك، وتلك عقبى المتقين، وأعطاهم جنة وكساهم حريرا، وأجلسهم على الأرائك متكئين جلسة المتمكن الهادئ فارغ البال، وهم في تلك الجنة، لا يرون شمسا محرقة، ولا يحسون بردا شديدا، بل هم في جو هادئ حالم لا يشعرون بما يكدرهم.
وهذه الجنة قد دنت عليهم ظلالها الوارفة، وكانت ثمارها سهلة التناول، يتناولها الشخص بلا تعب ولا مشقة، يا سبحان اللّه!! وهم فيها مكرمون، لهم خدم وحشم، ويطوف عليهم غلمان لهم بآنية من فضة فيها طعامهم، ويطاف عليهم بأكواب من فضة، فيها شرابهم، هذه الأكواب فيها صفاء الزجاج وبياض الفضة ونضرتها، وهذه الأوانى قد قدرت لهم تقديرا تامّا فليست صغيرة لا تفي بما يطلبون، ولا كبيرة تزيد على ما يحتاجون.
وهم في الجنة يسقون فيها شرابا تارة يمزج بالكافور كما مضى، وطورا يمزج بالزنجبيل، وهذا الشراب مستمد من عين لا تنقطع تسمى سلسبيلا لأنها سهلة لينة هينة، ولهم خدم يطوفون عليهم، هؤلاء الولدان مخلدون في نضرة الشباب وروعة الحسن والجمال إذا رأيتهم مقبلين ومدبرين حسبتهم لؤلؤا منثورا في الصفاء والنظافة والجمال.
وإذا رأيت هناك - ونسأل اللّه الكريم أن يرينا ذلك - رأيت نعيما لا يقادر قدره، ولا يدرى كنه، ورأيت ملكا كبيرا، يتضاءل أمامه ملك كسرى وقيصر، وما مر من وصف لبعض مشاهد الجنة فوصف تقريبي فقط، ونعيمها الحقيقي لا يعلمه إلا خالقه، وهم في الجنة تعلوهم ثياب من سندس رقيق أخضر، ومن إستبرق سميك كل بما يناسبه، وألبسوا حلية هي أساور من فضة أو ذهب، وسقاهم ربك شرابا لا يدرى وصفه، شراب طهور نقى من كل الشوائب.
إن هذا كان لكم أيها العاملون الشاكرون جزاء على أعمالكم، وكان سعيكم مشكورا.