ج ٣، ص : ٨٣
قل لهم يا محمد : لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت وكيف تفرون ؟ ولو كنتم في بروج مشيدة لأدرككم الموت ولحقكم، فإن لكل أجل كتابا فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [سورة الأعراف آية ٣٤].
وإذا فررتم وكان في العمر بقية لا تمتعون إلا متاعا قليلا زمنه، إذ الدنيا لم تخلق زهرتها للجبناء.
قل لهم : كيف تفرون من حكم اللّه إلى حكم اللّه ؟ ومن ذا الذي يعصمكم منه إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة من خير ونصر وعافية ؟ وهم لا يجدون لهم من دون اللّه نصيرا ينصرهم ولا وليا يلي أمورهم ويشفع لهم.
روى أن عبد اللّه بن أبىّ وأصحابه من المنافقين قالوا لإخوانهم من المسلمين : ما محمد وأصحابه إلا قلة وهو هالك ومن معه، فهلموا وفارقوا محمدا، وقيل : إن القائل هم اليهود قالوا لإخوانهم من المنافقين : تعالوا إلينا وفارقوا محمدا فإنه هالك وإن أبا سفيان إن ظفر بكم لم يبق منكم أحدا فنزل قوله تعالى : قد يعلم اللّه المعوقين - المثبطين -
منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا، وهم قوم جبناء لا يأتون البأس - القتال - إلا قليلا خوفا من الموت، ولا يحضرون القتال إلا رياء وسمعة، وهم قوم بخلاء عليكم أشحاء بالمعونة عند الشدائد لا ينفعون، وعند الغنائم يحضرون ويطالبون، فإذا جاء الخوف واشتد لهيب المعركة وحمى وطيسها، رأيتهم - ويا لهول ما ترى - ينظرون يمينا وشمالا تدور أعينهم يمنة ويسرة لذهاب عقولهم حذرا من القتل، وهكذا الجبال الرعديد، فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد وبسطوا إليكم ألسنتهم بالسوء، وآذوكم بالكلام الشديد. فهم عن الخير ممسكون وفي الشر مجدون أولئك لم يؤمنوا بقلوبهم فأحبط اللّه أعمالهم حيث لم يقصدوا بها وجهه، وكان نفاقهم وعملهم على اللّه هينا، ألا قاتلهم اللّه أنى يؤفكون! وهؤلاء المنافقون لشدة جبنهم وسوء رأيهم يظنون أن الأحزاب لم ينصرفوا، وهذا شأن الجبان لفرط خوفه إذا رأى شيئا ظنه رجلا، ولفساد اعتقادهم وسوء طويتهم يودون أن تأتى الأحزاب، وهم مع الأعراب المتحزبين حذرا من القتل وتربصا بالنبي الدوائر سائلين عن أنبائكم أيها المسلمون، وهم ليسوا في قليل ولا كثير، ولو كانوا فيكم وفي جيشكم ما قاتلوا إلا قليلا.
ولقد كان لكم - أيها المتخلفون عن القتال - أسوة حسنة بالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم فكان


الصفحة التالية
Icon