ج ٣، ص : ٨٤٤
الْإِنْسانُ
وكأن المعنى : إذا السماء انشقت، وإذا الأرض مدت... إلخ. كان البعث ولاقى الإنسان ربه فوفاه حسابه.
يا أيها الإنسان المجد في سعيه، النشيط في عمله السريع في تحصيل معاشه وكسبه :
أنت تكدح في طلب الدنيا، حتى استبطأت حركة الزمن، وكم تمنيت نهاية اليوم أو الشهر أو العام لتحصيل على طلبك، أيها الإنسان ما أجهلك!! ألم تعلم بأن هذا كله من عمرك، وأنت تكدح صائرا إلى ربك، وتجد وأصلا إلى نهايتك وموتك :
يس ر المرء ما ذهب الليالى وكان ذهابهن له ذهابا
فأنت تجد في السير إلى ربك فتلاقى عملك هناك أوضح من الشمس فاعمل في دنياك على هذا الأساس.
أيها الإنسان : ستلاقى ربك يوم القيامة، وستلاقى عملك يوم يقوم الناس للعرض على الملك الجبار يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ « ١ » وهناك يظهر الحق، ويعرف كل عمله، فأما من أوتى كتابه بيمينه، وهم الصالحون المقربون فسوف يحاسبون حسابا يسيرا سهلا، ويرجعون إلى إخوانهم من المؤمنين فرحين مسرورين لأنهم لاقوا جزاءهم. وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً « ٢ » وأما من أوتى كتابه بشماله أو من وراء ظهره وهم الكفار الفجار، فسوف يحاسبون حسابا عسيرا، ويدعون من شدة ما بهم قائلين : ووا ثبوراه، وا هلاكاه وسيصلون سعيرا ويقاسون حر جهنم الشديد القاسي، فإيتاء الكتاب باليمين أو بالشمال. أو من وراء الظهر تمثيل وتصوير لحالة المطلع على أعماله المستبشر المبتهج بها، أو لحالة المبتئس العبوس الحزين بسببها : والعرب تستعير جهة اليمين للخير وجهة اليسار للشر.
وما سبب عذاب هؤلاء ؟ إنه كان في أهله، أى : في الدنيا فرحا مسرورا فرح بطر أو أشر، ولما كان فيه من ترف وحب للشهوة، واستمتاع باللذة، والذي دفعه إلى هذا كله ظنه أنه لن يرجع إلى ربه للحساب، فيحسب ما اقترفته يداه، بل سيرجع إلى ربه فيحاسبه حسابا كاملا، إن ربه كان به بصيرا، وعليما خبيرا، ومقتضى علمه بالمخلوق علما كاملا : أنه لا يتركه سدى، بل يجازى المحسن على إحسانه، والمسيء على إساءته
(١) - سورة الحاقة آية ١٨. [.....]
(٢) - سورة الإنسان آية ١٢.