ج ٣، ص : ٨٦٥
التي تصادفك. فَكُّ رَقَبَةٍ : عتقها. ذِي مَسْغَبَةٍ المسغبة : المجاعة، والسغب : الجوع. مَقْرَبَةٍ : قرابة. مَتْرَبَةٍ يقال : ترب فلان : إذا افتقر، أى : أصبحت يده ملتصقة بالتراب. بِالْمَرْحَمَةِ : الرحمة بالناس. مُؤْصَدَةٌ وقرئت موصدة، والمراد : محيطة بهم ومغلقة عليهم.
المعنى :
ابتدأ اللّه هذه السورة الكريمة بعبارة تدل على القسم وتأكيده - كما بيناه في سورة القيامة وفي سورة التكوير وفي سورة الانشقاق - : أقسم بهذا البلد، والمراد مكة المكرمة التي جعلت حرما آمنا جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ « ١ » فيها الكعبة التي هي قبلة المسلمين، وفيها مقام إبراهيم، وفيها ظهور النور المحمدي الذي كان قياما للناس، وأقسم بكل والد وما ولد من إنسان وحيوان ونبات، أقسم بهذا كله على أن الإنسان خلق في تعب ومشقة، ولعلك تسأل ما السر في قوله : وأنت حل بهذا البلد ؟ أى مكة، وقد جعل معترضا بين ما أقسم به من هذا البلد والوالد والولد وبين المقسم عليه، فأقول لك : هذا تفخيم لمكة ورفع لشأنها، أى : أقسم بهذا البلد، والحال أن أهلها قد استحلوا إيذاءك وإيلامك - وهذا معنى : وأنت حل، أى :
مستحل لهم - فهم لم يرعوا حرمة بلدهم في معاملتك، وفي هذا إيقاظ لضميرهم، وتعنيف لهم على فعلهم مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ولعلك تسأل : وما العلاقة بين القسم والمقسم عليه ؟ والجواب : أنه جاء تسلية للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم فهو في مكة وقد ناله ما ناله من تعب ومشقة، وهذا المتعب مما يخفف عنه أن يعلم أن أفراد الإنسان كلهم في تعب ومشقة، ولا تنس أن ذكر الوالد والولد مما يبشر أن مكة ستلد ما به تفخر الإنسانية كلها وتعتز :
وإن يكن هذا مع تعب ومشقة، وكلنا يعرف ما يلاقي الولد والوالد في ذلك حتى البذرة في الأرض وعند الحصاد.
أيحسب « ٢ » الإنسان المغرور بقوته المتباهى بشدته رغم ما هو فيه من تعب ونصب أن لن يقدر عليه أحد ؟ ! وهذا نوع منه، وذاك نوع آخر يقول : أهلكت مالا كثيرا،
(١) سورة المائدة آية ٦٧.
(٢) هذا الاستفهام للإنكار.