ج ٣، ص : ٨٧٧
بنفس راضية وقلب مطمئن، وقد كان الرسول يضيق صدره بما يقولون. ويتألم مما يفعلون إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ « ١ ».
وهذه الدعوة العامة الشاملة التي جاء بها النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو بها العرب الجاهلين والناس أجمعين، هذه الدعوة عبء ليس بالخفيف بل عبء من أشد ما يكون، وحمل تنوء به كواهل الفطاحل، وينقض لأجله ظهور الأكابر، ولكن اللّه بما تعهد به لنبيه المصطفى من الآيات والإرشادات، والتوجيهات قد وضع عنه وزره الذي أثقل ظهره لو لا لطف اللّه.
ولقد رفع له ذكره، وهل هناك رفعة أعلى من اقتران اسمه باسم اللّه في الأذان والتكبير، والدعاء والصلاة، ألم يجعل اللّه طاعة رسوله من طاعته، وحبه من محبته ؟
وأى مكانة أرفع من أن يكون له في كل ركن في الأرض أتباع وأنصار يدينون للنبي بالطاعة والولاء ؟
ألم تر إلى الصحابة وهم يتسابقون إلى مجلسه والتمتع بحلو حديثه، والاستشفاء بمخالفاته ؟ تلك بعض نعمه على رسوله، واللّه أعلم بغيرها.
نعم ما قد شرح اللّه صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره ليس في الأرض فقط، بل عند سدرة المنتهى، عند جنة المأوى، وكان هذا كله بعد أن لحق بالنبي ما لحق من أذى قومه وعنتهم، حتى ضاق صدره، ولا عجب في ذلك، فإن مع العسر يسرا : وانظر إلى قوله : مع العسر، ثم إلى قوله : يسرا، أى : بالتنكير، وكما
يقول الرسول : لن يغلب عسر يسرين « ٢ »
أما العسر الذي كان عند النبي صلّى اللّه عليه وسلّم والصحابة فهو الفقر وقلة الصديق، وقوة العدو وشدة مقاومته، وقد جاءهم اليسر فكثر المال والصديق، وضعف قوة العدو، وأما قوة المؤمنين الذين اشترى اللّه منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل اللّه، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم
(١) سورة الحجر الآيات ٩٥ - ٩٨.
(٢) هذا المعنى مأخوذ من أن العسر ذكر معرفا فهو يدل على عسر واحد، وذكر اليسر منكرا فتراه يدل على أكثر من واحد.