ج ٣، ص : ٨٨٩
التي يتميز بها الحق من الباطل، من البيان وهو الظهور. مُطَهَّرَةً : طاهرة من الزور والبهتان. قَيِّمَةٌ : لا عوج فيها. حُنَفاءَ : مائلين عن الباطل.
الْقَيِّمَةِ أى : الكتب القيمة، أو الأمم المستقيمة العادلة. الْبَرِيَّةِ : الخلق.
جَنَّاتُ عَدْنٍ : إقامة ومكث.
المعنى :
أرسل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الناس أجمعين، أرسل لهم بالهدى ودين الحق، ليخرجهم من ظلمات الجهالة، وفساد العقيدة، وذل التقليد الأعمى، وكان الكفار من أهل الكتاب أو المشركين سواء في البعد عن الحق والدين الصحيح. أما أهل الكتاب فبعد أن فارقهم موسى وعيسى تخبطوا وحرفوا الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اللّه وأصبح دينهم خليطا ممقوتا فيه إلى جانب الحق البسيط ضلالات وضلالات، وأما المشركون الذين لا يقولون بالتوحيد ولا يؤمنون بالبعث كمشركي مكة، فقد تردوا في الباطل إلى أقصاه، وأصبح دينهم مسخا من عقائد جاهلية وتقاليد بالية حسبوها دين إبراهيم الخليل، واللّه يعلم أنه منها برىء.
ما كان الذين كفروا من أهل الكتاب الذين كانوا يستفتحون على الذين كفروا من المشركين ببعثة النبي العربي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، فلما جاءهم ما عرفوا - بعثة النبي - كفروا به، ولهذا ذكرهم أولا، على أنهم أشد جرما من المشركين الذين يجهلون الحق، وهؤلاء عرفوه وكفروا به عنادا وحسدا من عند أنفسهم، ما كان هؤلاء وأولئك منفكين عن باطلهم حتى تأتيهم البينة الواضحة، والحجة الظاهرة التي تقصم ظهر الباطل، وما هي ؟ هي رسول من اللّه، وقد كان رسول اللّه نفسه بينة وحجة ظاهرة على أن دينه هو الحق، فهو الصادق الأمين صاحب الخلق القويم والمعجزات الناطقة بصدقه، والمنزل عليه القرآن الذي يتلوه، أى : يقرؤه مع كونه أميا، وقد كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ القرآن حفظا عن ظهر قلب.
يتلو صحفا - القرآن - مطهرة من كل عيب وزور وكذب، تلك الصحف فيها كتب قيمة لا عوج فيها ولا نقص، وما المراد بالكتب ؟ قيل : هي ما في القرآن مما بقي صحيحا من كتب موسى وإبراهيم مثلا، أو هي سور القرآن : وكأن كل سورة كتاب