ج ٣، ص : ٩٨
روى أن رسول اللّه خطب زينب بنت عمته فظنت أن الخطبة لنفسه، فلما تبين أنه يريدها لزيد كرهت ذلك وامتنعت وامتنع أخوها عبد اللّه لنسبها ومكانتها من قريش وأن زيدا كان بالأمس عبدا، فلما نزل قوله تعالى :﴿ وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾
رضيا وقال أخوها : مرني بما شئت، فزوجها رسول اللّه لزيد.
نعم ليس لمؤمن ولا مؤمنة - بهذا الوصف - إذا أمر اللّه - عز وجل - ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم بأمر أن يعصياه بحال ولا ينبغي منهم ذلك، فالنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهو حريص عليهم وبهم رءوف رحيم، ومن يختر خلاف أمر اللّه ورسوله فقد عصى وضل ضلالا مبينا يستحق عليه إثما كبيرا.
هذه المرأة التي أكرهت على الزواج من زيد لأنها شريفة وهو عبد أعتق، ولم تقبل إلا امتثالا لأمر اللّه ورسوله، ماذا تنتظر منها ؟ مهما كان إيمانها! إنها إنسانة ومعها نفس لوامة، فلم تعاشر زيدا معاشرة الأزواج، وكانت له كارهة وعليه متعالية، وزيد رجل عزيز بالإيمان يعتقد أن أكرم الناس عند اللّه الأتقياء، وأنه لا فضل لإنسان على آخر إلا بالتقوى، لهذا كانت حياتهما الزوجية غير سعيدة، وكان زيد يشكو منها لرسول اللّه كثيرا.
روى أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان قد أوحى إليه : أن زيدا يطلق زينب وأنه يتزوجها بتزويج اللّه إياها، فلما تشكى زيد للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم من خلق زينب وأنها لا تطيعه، وأعلمه أنه يريد طلاقها قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على جهة الأدب والوصية :« اتّق اللّه في قولك هذا وأمسك عليك زوجك »
وهو يعلم أنه سيفارقها زيد ويتزوجها هو - وهذا ما أخفاه النبي في نفسه - ولم يرد أن يأمره بالطلاق لما علم أنه سيتزوجها وخشي الرسول من كلام المنافقين وقولهم : إن محمدا تزوج زينب بعد زيد وهو مولاه.
وقد عاتبه اللّه على هذا القدر حيث خشي الناس في شيء قد أباحه اللّه له لحكمة عالية وعلة سيذكرها القرآن لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ وعاتبه ربه حيث قال لزيد : أمسك عليك زوجك واتق اللّه مع علمه بأنه سيطلق، وحيث خشي الناس واللّه أحق بالخشية في كل حال.


الصفحة التالية
Icon