المخالف لأساليب كلام العرب، يقول القاضي عياض: "إنه لم يوجد قبله ولا بعده نظير له، ولا استطاع أحد مماثلة شيء منه، بل حارت فيه عقولهم، وتدلَّهت دُونَه أحلامهم، ولم يهتدوا إلى مثله في جنس كلامهم؛ من نثر أو نظم أو سجع أو رجز أو شعر.
لما سمع كلامه - ﷺ - الوليد بن المغيرة وقرأ عليه القرآن رقّ، فجاءه أبو جهل منكرا عليه، قال: والله ما منكم أحد أعلم بالأشعار مني، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا.
وفي خبره الآخر حين جمع قريشا عند حضور الموسم، وقال: إن وفود العرب تَرِد فأجمعوا فيه رأيا لا يكذب بعضكم بعضا؛ فقالوا: نقول كاهن! قال: والله ما هو بكاهن؛ ما هو بزمزمته١ ولا سجعه، قالوا: مجنون! قال: ما هو بمجنون؛ ولا بخنقه ولا وسوسته، قالوا: فنقول شاعر! قال: ما هو بشاعر؛ قد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه، وقريضه ومبسوطه ومقبوضه، ما هو بشاعر، قالوا: فنقول ساحر! قال: ما هو بساحر؛ ولا نفثه ولا عقده، قالوا: فما نقول؟ قال: ما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا وأنا أعرف أنه باطل، وإنّ أقرب القول أنه ساحر؛ فإنه سِحر يفرّق بين المرء وابنه، والمرء وأخيه، والمرء وزوجه، والمرء وعشيرته، فتفرقوا وجلسوا على السُّبل يحذّرون الناس، فأنزل الله تعالى في الوليد: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً. وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً. وَبَنِينَ شُهُوداً. وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً. ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ. كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لآياتنَا عَنِيداً. سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً. إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ. فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ نَظَرَ. ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ. ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ. فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ. إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ. سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾ ٢.
والأخبار في هذا صحيحة كثيرة، والإعجاز بكل واحد من النوعين
٢ سورة المدثر آية ١١-٢٦.