وأن مثله لم ينله بتعليم، وقد علموا أنه - ﷺ - أمّي لا يقرأ ولا يكتب ولا اشتغل بمدارسة ولا مثافنة١، ولم يغب عنهم ولا جهل حاله أحد منهم ".
ويدلّل القاضي عياض على دقة هذا الوجه فيقول: "وقد كان أهل الكتاب كثيراً ما يسألونه - ﷺ - عن هذا فينزل عليه من القرآن ما يتلو عليهم منه ذكرا، كقصص الأنبياء مع قومهم، وخبر موسى والخضر، ويوسف وإخوته، وأصحاب الكهف، وذي القرنين، ولقمان وابنه، وأشباه ذلك من الأنباء، وبدء الخلق، وما في التوراة والإنجيل والزّبور وصحف إبراهيم وموسى مما صدّقه فيه العلماء بها، ولم يقدروا على تكذيب ما ذكر منها، بل أذعنوا لذلك...
فمن مُوفَّق آمَن بما سيق له من خبر، ومن شقي مُعاند حاسد، ومع هذا لم يحك عن واحد من النصارى واليهود على شدّة عداوتهم له، وحرصهم على تكذيبه، وطول احتجاجه عليهم بما في كتبهم وتقريعهم بما انطوت عليهم مصاحفهم، وكثرة سؤالهم له صلى الله عليه وسلم، وتعنيتهم إياه عن أخبار أنبيائهم وأسرار علومهم، ومستودعات سيرهم، وإعلامه لهم بمكتوم شرائعهم ومُضمَّنات كتبهم، مثل سؤالهم عن الروح، وذي القرنين، وأصحاب الكهف، وعيسى، وحكم الرّجم، وما حرم إسرائيل على نفسه، وما حرِّم عليهم من الأنعام، ومن طيبات كانت أحلّت لهم فحرِّمت عليهم ببغيهم، وقوله: ﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ..﴾ وغير ذلك من أمورهم التي نزل فيها القرآن، فأجابهم وعرّفهم بما أوحي إليه من ذلك؛ أنه أنكر ذلك أو كذّبه، بل أكثرهم صرّح بصحة نبوّته وصدق مقالته، واعترف بعناده وحسده إياه، كأهل نجران وابن صوريا وبني أخطب وغيرهم.
هذه هي الوجوه التي اعتمدها القاضي عياض دليلا على إعجاز القرآن، وخصّص لها في كتابه (الشفا) بابا من أربعة فصول.
فإذا نظرنا إلى ما كتبه القاضي