الأول.. وكان حصيلة جمعه خلاصة ما قيل عن الإعجاز القرآني من آراء، وما كتب من بحوث منذ القرن الثالث الهجري حتى عصره.
وقلنا إن هذا العمل لا يرمي إلى مرتبة الإبداع، وإنما هو جمع وانتخاب وتلخيص وتهذيب؛ يظهر من خلاله كثرة قراءات الرَّجل، وسَعة اطّلاعه وصبره أيضا.
فإذا درسنا ما سجّله القاضي عياض في كتابه نجد أن التوفيق وإن كان قد حالفه في عملية اللمّ والحصر، إلا أنه لم يحالفه في الفهم والتبويب؛ فهو لم يفطن إلى موضع كل وجه من هذه الأوجه من الآخر، ولم يدرك تحت أيّ الفصول يوضع أو يندرج؛ لذلك ظهر بحثه مفكَّكاً قلقاً غير مترابط؛ لتعدُّد المسارات وتشتّت العبارات، كما ظهر لنا أيضا - أنه هو نفسه متردّد حائر تائه بين مصنَّفات السابقين وآرائهم؛ تَنقصه ثقة العالِم وخبرة الأستاذ.
فإذا نظرنا في وجوهه الأربعة التي اختارها وجدنا أن الوجه الثاني – وهو: (صورة نظم القرآن العجيب والأسلوب الغريب) - ما هو إلا تكرار للوجه الأول: (حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته وبلاغته..) ؛ فكلا الوجهين يندرجان تحت علوم البلاغة، بيد أنّه حين وضعهما على صورتهما هذه قد أضفى عليهما صفة التعميم.. ؛ فالوجهان الأول والثاني - في حقيقة أمرهما - وجه واحد يتصل ببلاغة القرآن.. هكذا قال الجرجاني.
كذلك الوجه الثالث وهو: (ما انطوى عليه القرآن من الإخبار بالمغيبات) والوجه الرابع: (ما أنبأ به من أخبار القرون السابقة والأمم البائدة..) كلاهما يتدرج تحت الجانب التاريخي، فهما في واقع الأمر وجه واحد يصوّر إعجاز القرآن من حيث الزمن.. واتّصاله بحركة التاريخ في الماضي والمستقبل.
ومعروف أن القاضي عياض كان يهتدي بآراء أهل السُّنة.. ومع ذلك فقد ضلَّله عنصر النقل والاقتباس؛ فوقع في المحظور حين لم يفهم ما ذكره المعتزلة من القول (بالصَّرفة) ؛ فنراه يذكر ما ذهب إليه أبو الحسن الرماني المعتزلي؛ من أن القرآن ممّا يمكن أن يدخل مثله تحت مقدور البشر، ويقدرهم عليه ولكنه لم يكن هذا.. فمنعهم الله هذا وعجّزهم عنه١