لطائف الإشارات، ج ١، ص : ١١٠
الجهالة، ثم إن من طالت به الغيبة صار للناس عبرة، ولمن سلك طريقه فتنة، فمن اقتدى به فى غيّه انخرط فى سلكه، والتحقق بجنسه، هكذا صفة هاروت وماروت فيما استقبلهما، صارا للخلق فتنة بل عبرة، فمن أصغى إلى قيلهما، ولم يعتبر بجهلهما تعلّق به بلاؤهما، وأصابه فى الآخرة عناؤهما.
والإشارة من قصتهما إلى من مال فى هذه الطريقة إلى تمويه وتلبيس، وإظهار دعوى بتدليس، فهو يستهوى من اتّبعه «١»، ويلقيه فى جهنم بباطله، (............) «٢»
و من تهتك بالجنوح إلى أباطيله تهتكت أستاره، وظهر لذوى البصائر عواره.
وإن هاروت وماروت لما اغترّا بحاصل ما اعتاداه من المعصية بسطا لسان الملامة فى عصاة بنى آدم، فلما ركّب فيهما من نوازع الشهوات، ودواعى الفتن والآفات، اقتحما فى العصيان، وظهر منهما ما انتشر ذكره على ألسنة القصاص، وهما منكّسان إلى يوم القيامة ولو لا الرفق بهما وبشأنهما لما انتهى فى القيامة عذابهما، ولكنّ لطف اللّه مع الكافة كثير. ولمّا قال اللّه تعالى :«وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ» علم أهل التحصيل أن العلم بكل معلوم - وإن كان صفة مدح - ففيه غير مرغوب فيه، بل هو مستعاذ منه قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : أعوذ بك من علم لا ينفع.
قوله جل ذكره : وَ لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ.
لو علم المغبون ماذا أبقى وماذا أبلى لتقطعت أحشاؤه حسرات، ولكن سيعلم - يوم تبلى السرائر - الذي فاته من الكرائم.
قوله جل ذكره :
[سورة البقرة (٢) : آية ١٠٣]
وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٣)
و لو آثروا الإقبال على اللّه على اشتغالهم عن اللّه، لحصّلوا ذخر الدارين، ووصلوا إلى
(١) وردت (التبعة) وهى خطأ فى النسخ.
٢) هنا عبارة غامضة كتابة ومعنى، ويرجح أن الناسخ قد وقع فى أخطاء نقلية.