لطائف الإشارات، ج ١، ص : ١٢٧
و يسأل هاهنا سؤال فيقال : كيف قال إبراهيم صلوات اللّه عليه :«أَسْلَمْتُ» ولم يقل نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم حينما قيل له اعلم «علمت»؟.
والجواب عن ذلك من وجوه : منها أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال «أنا أعلمكم باللّه «١»» ولكن لم يرد بعده شرع فكان يخبر عنه بأنه قال علمت.
ويقال : إن اللّه سبحانه أخبر عن الرسول عليه السّلام بقوله :«آمن الرسول» لأن الإيمان هو العلم باللّه سبحانه وتعالى، وقول الحق وإخباره عنه أتمّ من إخباره - عليه السّلام - عن نفسه.
والآخر أن إبراهيم لما أخبر بقوله :«أسلمت» اقترنت به البلوى، ونبيّنا - صلّى اللّه عليه وسلّم - يتحرز عما هو صورة الدعوى فحفظ وكفى.
و الآخر أن إبراهيم عليه السّلام أمر بما يجرى مجرى الأفعال، فإن الاستسلام به إليه يشير. ونبينا صلّى اللّه عليه وسلّم أمر بالعلم، (و لطائف العلم أقسام) «٢».
قوله جل ذكره :
[سورة البقرة (٢) : آية ١٣٢]
وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢)
أخبر أن إبراهيم عليه السّلام وصّى بنيه، وكذلك يعقوب عليه السّلام قال لبنيه لا يصيبنكم الموت إلا وأنتم يوصف الإسلام. فشرائعهم - وإن اختلفت فى الأفعال - فالأصل واحد، ومشرب التوحيد لا ثانى - له فى التقسيم - وقوله تعالى :«إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ»

_
(١) «أنا أعلمكم باللّه وأخشاكم للّه».
البخارى عن أنس «و اللّه إنى لأخشاكم وأتقاكم له».
والشيخان عن عائشة «و اللّه إنى لأعلمكم باللّه وأشدكم له خشية». [.....]
(٢) هنا وضع الناسخ علامة تدل على أنه أخطأ فى الثقل، ولهذا فإن العبارة التى وردت فى (ص) مضطربة وقد آثرنا أن نلتقط منها ما نرجح أنه ملائم للمعنى. فالمقصود أن إبراهيم عليه السّلام عبّر بقوله «أسلمت» وهذا فعل إنسانى بينما لم يقل الرسول (ص) «علمت» لأن العلم ليس كسبا للعبد وإنما هو قسمة له أى أنه من عين الجود لا من قبيل المجهود، واللّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon