لطائف الإشارات، ج ١، ص : ١٤
و قد وصف الخطيب البغدادي (صاحب تاريخ بغداد) مقدار إعجاب الناس بالقشيري، وكان هو نفسه أحد تلاميذه حيث يقول (حدّثنا وكتبنا عنه وكان ثقة).
(تاريخ بغداد ج ١٠ ص ٨٣).
وذهب القشيري الحج، وهناك التقى بصديقه الجويني وبعدد كبير من الأئمة الذين شردتهم المحنة طوال سنوات عديدة، فاجتمعوا وتدارسوا أحوالهم ومستقبلهم، واستقر رأيهم على أن يطيعوا كلمة واحد منهم مهما كانت هذه الكلمة حتى يتم الاتفاق على مبدأ ثابت يسرى عليهم جميعا، ولم يكن ذلك الذي وقع عليه اختيار الجمع غير عبد الكريم القشيري.
فصعد المنبر، وظل يتكلم، وهم يجدون لكلامه وقعا مؤثرا على قلوبهم وعقولهم، ثم مرّت لحظات صمت، بعدها شخص القشيري ببصره إلى السماء ضارعا ثم أطرق، والناس من حوله يتابعون أمره، ويتفرّسون ملامحه... ثم قبض على لحيته وصاح بصوت عال :
«يا أهل خراسان.. بلادكم بلادكم، إن الكندري غريمكم يقطّع الآن إربا إربا، وإنى أشاهده الساعة وقد تمزّقت أعضاؤه ثم أنشد :
عميد الملك ساعدك الليالى على ما شئت من درك المعالي
فلم يك منك شىء غير أمر بلعن المسلمين على التوالي
فقابلك البلاء بما تلاقى فذق ما تستحق من الوبال
(تبيين كذب المفترى لابن عساكر ليدن ص ٩٣) ويقول السبكى فى طبقاته :(و ضبط التاريخ فكان ذلك اليوم بعينه وتلك الساعة بعينها قد أمر السلطان بأن يقطع الكندري إربا إربا. وأن يرسل عضو منه إلى كل مكان) السبكى فى «طبقات الشافعية» ج ٢ ص ٢٧٢.
و هكذا عاد القشيري بعد هذه السنوات العشر الثّقال (من ٤٤٥ إلى ٤٥٥) إلى بلاده، وهى وإن كانت أقسى فترات عمره، وأشدها آلاما إلا أنها كانت حافلة بالتجارب، وأعانته على زيادة خبرته بالحياة والأحياء، وساعدت على توثيق الصلة بينه وبين الأوساط العلمية والأدبية خارج المشرق، ودفعته إلى أن يصنّف العديد من المصنفات المتصلة بالمذهب الأشعري