لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٢٢٧
ضرورة وحسّا، لم يعتقدوه ظنّا وحدسا تعرّف إليهم فعرفوه، وأشهدهم فلذلك شهدوا، ولو لم يقل لهم إنه من هو لما عرفوا من هو.
ولكنّ العلماء يشهدون بصحو عقولهم، والموحّدون يشهدون بعد خمودهم فهم كما قيل :
مستهلكون بقهر الحق قد همدوا واستنطقوا بعد افتنائهم بتوحيد
فالمجرى عليهم ما يبدو منهم - سواهم، والقائم عنهم بما هم عليه وبه - غيرهم، ولقد كانوا لكنهم بانوا، قال قائلهم :
كتابى إليكم بعد موتى بليلة ولم أدر أنّى بعد موتى أكتب
و أولو العلم على مراتب : فمن عالم نعته وفاق ورهبانية، ومن عالم وصفه فناء وربّانية، وعالم يعرف أحكام حلاله وحرامه، وعالم يعلم أخباره وسننه وآثاره، وعالم يعلم كتابه ويعرف تفسيره وتأويله، ومحكمه وتنزيله، وعالم يعلم صفاته ونعوته ويستقوى حججه وتوحيده بحديث يخرجه (....) «١»، وعالم لاطفه حتى أحضره ثم كاشفه فقهره، فالاسم باق، والعين محو، والحكم طارق والعبد محق، قال قائلهم.
بنو حق غدوا بالحق صرفا فنعت الخلق فيهمو مستور
و ليست الإشارة من هذا إلا إلى فنائهم عن إحساسهم، وعند علمهم بأنفسهم، فأما أعمالهم «٢» أعيانهم فمخلوقة، وما يفهم بذواتهم من أحوالهم فمسبوقة، وذات الحق لا توصف بقبول حدثان، وصفات ذاته لا تقبل اتصالا بالغير ولا انفصالا عن الذات، تقدّس الحق عن كل ضدّ وندّ، ووصل وفصل، وجمع وفرق، وعين وخلق، وملك وفلك، ورسم وأثر، وعبد وبشر، وشمس وقمر، وشخص وغبر.
قوله جل ذكره :
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٩]
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩)
.
(١) مشتبهة.
(٢) نرجح أنه فى الأصل (و أعيانهم) وأن الواو سقطت من الناسخ أي أنهم وما يصنعون - من خلق اللّه، وذلك الأصل من الأصول الكلامية عند القشيري.