لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٢٤٥
مصدّق لما تقدمه من الشرائع، ومختص بشريعة تنسخ بعض ما تقدمه، وأقرهم على البعض - على ما نطق به تفصيل القرآن.
قوله جل ذكره :
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٥٢ الى ٥٣]
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ اشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَ اتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣)
الآية.
حين بلّغهم الرسالة واختلفوا - فمنهم من صدّقه ومنهم من كذّبه وهم الأكثرون - علم أن النبوة لا تنفك عن البلاء وتسليط الأعداء، فقطع عنهم قلبه، وصدق إلى اللّه قصده، وقال لقومه : من أنصارى إلى اللّه ليساعدونى على التجرد لحقّه والخلوص فى قصده؟ فقال من انبسطت عليهم آثار العناية، واستخلصوا بآثار التخصيص : نحن أنصار اللّه، آمنا باللّه، واشهد علينا بالصدق، وليس يشكل عليك «١» شىء مما نحن فيه.
رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَ اتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ وأما الباقون فجدّوا فى الشقاق، وبالغوا فى العداوة، ودسّوا له المكائد، ومكروا ولكن أذاقهم اللّه وبال مكرهم، فتوهموا أنهم صلبوا عيسى عليه السّلام وقتلوه، وذلك جهل منهم، ولبس عليهم. فاللّه - سبحانه - رفع عيسى عليه السّلام نبيّه ووليّه، وحقّ الطرد واللّعن على أعدائه، وهذا مكره بهم :
[سورة آل عمران (٣) : آية ٥٥]
إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رافِعُكَ إِلَيَّ وَ مُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ جاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥)
قوله جل ذكره : إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ.
الإشارة «٢» فيه إنى متوفيك عنك، وقابضك منك، ورافعك من نعوت البشرية، ومطهرك من إرادتك بالكلية، حتى تكون مصرّفا بنا لنا، ولا يكون عليك من

_
(١) نرجح أنها فى الأصل :«يشكل (علينا) شىء مما نحن فيه»، لأن هذا الترجيح يقوى المعنى، إذ يفصح عن مدى صحة إيمانهم، أما إذا كانت (عليك) فيكون المعنى أن أنصاره طمأنوه عن أنفسهم، وطلبوا إليه ألا يستشكل (عليه) أمر من أمورهم، بدليل ما أفصحوا عنه فى الآية التالية.
٢) تخدم هذه الإشارة فى إبراز وتدعيم واحدة من أخطر قضايا الفكر الديني.


الصفحة التالية
Icon