لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٢٥٣
الإشارة من هذه الآية إلى المبطلين فى الدعاوى فى هذه الطريقة.
يزيّنون العبارات، ويطلقون ألسنتهم بما لا خبر فى قلوبهم منه، ولا لهم بذلك تحقيق، تلبيسا على الأغبياء والعوام وأهل البداية يوهمون أن لهم تحقيق ما يقولونه بألسنتهم.
قال تعالى فى صفة هؤلاء «لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَ ما هُوَ مِنَ الْكِتابِ»، كذلك أرباب التلبيس والتدليس، يروّجون قالتهم على المستضعفين، فأمّا أهل الحقائق فأسرارهم عندهم مكشوفة.
قال اللّه تعالى «وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ»، أي يعلمون أنهم كاذبون، كذلك أهل الباطل والتلبيس فى هذه الطريقة يتكلمون عن قلوب خربة، وأسرار محجوبة، نعوذ باللّه من استحقاق المقت! قوله جل ذكره :
[سورة آل عمران (٣) : آية ٧٩]
ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَ بِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩)
أي ليس من صفة من اخترناه للنبوة واصطفيناه للولاية أن يدعو الخلق إلى نفسه، أو يقول بإثبات نفسه وحظّه، لأن اختياره - سبحانه - إياهم للنبوة يتضمن عصمتهم عمّا لا يجوز، فتجويز ذلك فى وصفهم مناف لحالهم، وإنما دعاء الرسل والأولياء - للخلق - إلى اللّه سبحانه وتعالى، وهو معنى قوله تعالى :«وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ» أي إنما أشار بهم على الخلق بأن يكونوا ربانيين، والرّبانى منسوب إلى الرب كما يقال فلان دقيانى ولحيانى... وبابه.
وهم العلماء باللّه الحلماء فى اللّه القائمون بفنائهم عن غير اللّه، المستهلكة حظوظهم، المستغرقون فى حقائق وجوده عن إحساسهم بأحوال أنفسهم، ينطقون باللّه ويسمعون باللّه، وينظرون باللّه، فهم باللّه محو عمّا سوى اللّه.


الصفحة التالية
Icon