لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٣٠٤
«سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ» فالآيات الظاهرة توجب علم اليقين، والآيات الباطنة توجب عين اليقين.
و الإشارة من اختلاف الليل والنهار إلى اختلاف ليالى العباد فليالى أهل الوصلة قصيرة، وليالى أهل الفراق طويلة فهذا يقول :
شهور ينقضين وما شعرنا بأنصاف لهن ولا سرار
و يقول :
صباحك سكر والمساء خمار فنمت وأيام السرور قصار
و الثاني يقول :
ليالى أقر الظاعنين (....) شكوت وليل العاشقين طويل
و ثالث ليس له خبر عن طول الليل ولا عن قصره فهو لما غلب عليه يقول :
لست أدرى أطال ليلى أم لا؟ كيف يدرى بذاك من يتقلّى؟!
لو تفرّغت لاستطالة ليلى ورعيت النجوم كنت محلّا
قوله تعالى :«لِأُولِي الْأَلْبابِ» : أولو الألباب هم الذين صحت عقولهم عن سكر الغفلة.
وأمارة من كان كذلك أن يكون نظره بالحق فإذا نظر من الحقّ إلى الحقّ استقام نظره، وإذا نظر من الخلق إلى الحق انتكست نعمته، وانقلبت أفكاره مورّثة للشبهة.
قوله تعالى : الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً... الآية :
استغرق الذكر جميع أوقاتهم فإن قاموا فبذكره، وإن قعدوا أو ناموا أو سجدوا فجملة أحوالهم مستهلكة فى حقائق الذكر، فيقومون بحق ذكره ويقعدون عن إخلاف أمره، ويقومون بصفاء الأحوال ويقعدون عن ملاحظتها والدعوى فيها «١».
ويذكرون اللّه قياما على بساط الخدمة ثم يقعدون على بساط القربة.
ومن لم يسلم فى بداية قيامه عن التقصير لم يسلم له قعود فى نهايته بوصف الحضور.
(١) القشيري هنا مستفيد من رآى استاذه الإمام ابن فورك فى «قِياماً وَ قُعُوداً» فى الآية الكريمة (الرسالة ص ١١١).