لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٣١٧
الوصية هاهنا بمعنى الأمر، فانه سبحانه جعل الميراث بين الورثة مستحقا بوجهين :
١ - الفرض ٢ - التعصيب، والتعصيب أقوى من الفرض لأن العصبة قد تستغرق جميع المال أما أكثر الفروض فلا يزيد على الثلثين، ثم إن القسمة تبدأ بأصحاب الفروض وهم أضعف استحقاقا، ثم العصبة وهم أقوى استحقاقا. قال صلّى اللّه عليه وسلّم :
«ما أبقت الفرائض فلأولى عصبة ذكر» «١» كذلك أبدا سنته، كما فى قوله تعالى :
«ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا» أعطاهم الكتاب بلفظ الميراث ثم قدّم الظالم على السابق، وهو أضعف استحقاقا إظهارا للكرم مع الظالم لأنه منكسر القلب ولا يحتمل وقته طول المدافعة.
وقوله «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ». لو كان الأمر بالقياس لكانت الأنثى بالتفضيل أولى لضعفها، ولعجزها عن الحراك، ولكنّ حكمه - سبحانه - غير معلّل «٢».
قوله جل ذكره : آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً.
الأبناء ينفعونكم بالخدمة، والآباء بالرحمة الآباء فى حال ضعفك فى بداية عمرك، والأبناء فى حال ضعفك فى نهاية عمرك.
قوله جل ذكره :
[سورة النساء (٤) : آية ١٢]
وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢)

_
(١) صحيح البخاري ج ٨ ص ٢٦٩ «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر»
(٢) تحتاج هذه العبارة إلى بعض توضيح. وربما كان أفضل تحديد لها ما يذكره ذو النون المصري :
«علة كل شىء صنعه، ولا علة لصنعه» ثم ما يوضحه أبو نصر السراج فى اللمع حيث يقول :«معنى هذا القول - واللّه أعلم - أن وجود النقصان فى كل شىء مصنوع كائن، لأنه لم يكن فكان، وليس فى صنع الصانع لمصنوعاته علة، وقال بعضهم :
يا شقامى من السّقا م وإن كنت علّتى (اللمع ص ٤٤٠)


الصفحة التالية
Icon