لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٣٦٧
نعمتنا، بل من أغنيناه «١» فى طلبنا أكرمناه بوجودنا، بل من جرّعناه كأس اشتياقنا أنلناه أنس لقائنا.
قوله جل ذكره :
سورة النساء (٤) : آية ١٢٥]
وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً (١٢٥)
لا أحد أحسن دينا ممن أسلم وجهه للّه يعنى أفرد قصده إلى اللّه، وأخلص عقده للّه عما سوى اللّه، ثم استسلم فى عموم أحواله للّه باللّه، ولم يدّخر شيئا عن اللّه لا من ماله ولا من جسده، ولا من روحه ولا من جلده، ولا من أهله ولا من ولده، وكذلك كان حال إبراهيم عليه السّلام.
وقوله «وَهُوَ مُحْسِنٌ» : الإحسان - بشهادة الشرع - أن تعبد اللّه كأنّك تراه، ولا بد للعبد من بقية «٢» من عين الفرق حتى يصحّ قيامه بحقوقه - سبحانه - لأنه إذا حصل (مستوفى) «٣» بالحقيقة لم يصح إسلامه ولا إحسانه، وهذا اتّباع إبراهيم عليه السّلام الحنيف الذي لم يبق منه شىء على وصف الدوام.
وقوله «وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا» : جرّد الحديث عن كل سعى وكد وطلب وجهد حيث قال :«وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا» فعلم أنّ الخلّة لبسة يلبسها الحقّ لا صفة يكتسبها العبد.

_
(١) ربما كانت (عنيناه) بالعين أي من احتمل العناء فى سبيلنا لتلائم (جرعناه كأس) أما (أغنيناه) بالغين فيكون معناها أوجدنا فيه الغناء عما سوانا.
(٢) أي لا بد أن يرد إلى القرق الثاني حتى يستطيع أن يقوم بالفرائض الواجبة عليه فى أوقاتها.
(٣) هكذا جاءت فى النسخة ص وربما كانت فى الأصل (مساس) بالحقيقة، فنحن نعرف عن مذهب القشيري فى هذا الخصوص أن العبد ينبغى أن يحافظ على الشريعة مهما كانت الظروف، وأي مساس بالشريعة بدعوى الاصطلام أو الفناء - فمردود، وهو آية تقص فى صدق صاحبه.


الصفحة التالية
Icon