لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٤٠٣
قوله جل ذكره :
[سورة المائدة (٥) : آية ٤]
يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤)
لما علموا أن الحسن من أفعالهم ما ورد به الأمر وحصل فيه الإذن تعرّفوا ذلك من تفصيل الشرع، فقال :«يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ» ثم قال :
«قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ» وهو الحلال الذي تحصل من تناوله طيبة القلوب فإنّ أكل الحرام يوجب قسوة القلب، والوحشة مقرونة بقسوة القلب، وضياء القلوب وطيب الأوقات متصل بصون الخلق عن تناول الحرام والشبهات.
وقوله :«وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ» : ولمّا كان الكلب المعلّم ترك حظّه، وأمسك ما اصطاده على صاحبه حلت فريسته، وجاز اقتناؤه، واستغرق فى ذلك حكم خساسته فكذلك من كانت أعماله وأحواله للّه - سبحانه - مختصة، ولا يشوبها حظّ تجلّ رتبته وتعلو حالته.
ويقال حسن الأدب يلحق الأخسّة برتبة الأكابر، وسوء الأدب يردّ الأعزّة إلى حالة الأصاغر.
ثم قال :«وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» : بيّن أنّ الأكل - على الغفلة - غير مرضىّ عنه (فى القيمة) «١» «وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ» بحيث لا يشغله شأن عن شأن، وسريع الحساب - اليوم - مع الأحباب والأولياء، فهم لا يسامحون فى (الخطوة) «٢» ولا فى اللحظة، معجّل حسابهم، مضاعف - فى الوقت - ثوابهم وعقابهم.
(١) وضعت (فى القيمة خطأ) بعد سريع الحساب وقد أثبتناها فى موضعها الصحيح.
(٢) ربما كانت فى الأصل (الخطرة) بالراء فالأكابر يحاسبون على أدق خاطر يخطر على قلوبهم.