لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٤٥٧
ثم إن عيسى - عليه السّلام - حفظ أدب الخطاب فلم يزكّ نفسه، بل بدأ بالثناء على الحق - سبحانه - فقال : تنزيها لك! إننى أنزهك عما لا يليق بوصفك.
ثم قال :«ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ» أي إنى إن كنت مخصوصا من قبلك بالرسالة - وشرط النبوة العصمة - فكيف يجوز أن أفعل ما لا يجوز لى؟.
ثم إنى «إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ». كان واثقا بأن الحقّ - سبحانه - عليم بنزاهته من تلك القالة.
«تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي» : أي علمك محيط بكل معلوم.
«وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ» أي لا أطلع على غيبك إلا بقدر ما تعرّفني بإعلامك. «إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ» الذي لا يخرج معلوم عن علمك، ولا مقدور عن حكمك.
قوله جل ذكره :
[سورة المائدة (٥) : آية ١١٧]
ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَ أَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧)
ما دعوتهم إلا لعبادتك، وما أمرتهم إلا بتوحيدك وتقديسك، وما دمت حيا فيهم كنت (....) «١» على هذه الجملة، فلما فارقتهم كان تصرفهم فى قبضتك على مقتضى مشيئتك، فأنت أعلم بما كانوا عليه من وصفي وفاقهم وخلافهم، ونعمتى اقتصادهم «٢» وإسرافهم.
قوله جل ذكره :
[سورة المائدة (٥) : آية ١١٨]
إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨)

_
(١) مشتبهة.
(٢) الاقتصاد هنا معناها الاعتدال.


الصفحة التالية
Icon