لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٤٦٩
و تسلية. أي قد نعلم ما قالوا فيك وهم إنما قالوا ذلك بسببنا ولأجلنا. ولقد كنت عظيم الجاه فيهم قبل أن أوقعنا عليك هذا الرقم وكانوا يسمونك محمدا الأمين، فإن أصابك ما يصيبك فلأجل حديثنا، وغير ضائع لك هذا عندنا، وحالك فينا كما قيل :
أشاعوا لنا فى الحىّ أشنع قصة وكانوا لنا سلما فصاروا لنا حربا
قوله جل ذكره :
[سورة الأنعام (٦) : آية ٣٤]
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَ أُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَ لَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤)
يعنى إنّ من سلك سبيلنا صبر على ما أصابه من حديثنا، فلا خسرت فينا صفقته، ولا خفيت علينا حالته، وما قابل حكمنا من عرفنا إلا بالمهج، وما حملوا مالقوا فينا إلا على الحدق :
إنّ الألى ماتوا على دين الهوى وجدوا المنية منهلا معسولا
قوله جل ذكره :
[سورة الأنعام (٦) : آية ٣٥]
وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٥)
لفرط شفقته - صلّى اللّه عليه وسلّم - استقصى فى التماس الرحمة من اللّه لهم، وحمل على قلبه العزيز بسبب ما علم من سوء أحوالهم ما أثّر فيه من فنون الأحزان. فعرّفه أنهم مبعدون عن التقريب، منكوبون بسالف القسمة.
ولو أراد الحقّ - سبحانه - لخفّف عنهم، ولو شاء أن يهديهم لكان لهم مقيل فى الصدور، ومثوى على النشاط، ولكن من كبسته العزّة لم تنعشه الحيلة.


الصفحة التالية
Icon