لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٤٧
بقديم عنايته، أصلح أمور قوم فاستغنوا بعطائه، وأصلح أمور آخرين فاشتاقوا للقائه، وثالث أصلح أمورهم فاستقاموا للقائه، قال قائلهم :
مادام عزّك مسعودا طوالعه فلا أبالى أعاش الناس أم فقدوا
قوله جلّ ذكره :
[سورة الفاتحة (١) : آية ٣]
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣)
اسمان مشتقان من الرحمة، والرحمة صفة أزلية وهى إرادة النعمة وهما اسمان موضوعان للمبالغة ولا فضل بينهما عند أهل التحقيق.
وقيل الرحمن أشد مبالغة وأتم فى الإفادة، وغير الحق سبحانه لا يسمى بالرحمن على الإطلاق، والرحيم ينعت به غيره، وبرحمته عرف العبد أنه الرحمن، ولو لا رحمته لما عرف أحد أنه الرحمن، وإذا كانت الرحمة إرادة النعمة، أو نفس النعمة كما هى (عند قوم فالنعم فى أنفسها مختلفة، ومراتبها متفاوتة فنعمة هى) «١» نعمة الأشباح والظواهر، ونعمة هى نعمة الأرواح والأسرار.
و على طريقة من فرّق بينهما فالرحمن خاص الاسم عام المعنى، والرحيم عام الاسم خاص المعنى فلأنه الرحمن رزق الجميع ما فيه راحة ظواهرهم، ولأنه الرحيم وفق المؤمنين لما به حياة سرائرهم، فالرحمن بما روّح، والرحيم بما لوّح فالترويح بالمبارّ، والتلويح بالأنوار :
و الرحمن بكشف تجلّيه والرحيم بلطف تولّيه، والرحمن بما أولى من الإيمان والرحيم بما أسدى «٢» من العرفان، والرحمن بما أعطى من العرفان والرحيم بما تولّى من الغفران، بل الرحمن بما ينعم به من الغفران والرحيم بما يمنّ به من الرضوان، بل الرحمن بما يكتم به والرحيم بما ينعم به من الرؤية والعيان، بل الرحمن بما يوفق، والرحيم بما تحقق، والتوفيق للمعاملات، والتحقيق للمواصلات، فالمعاملات للقاصدين، والمواصلات للواجدين، والرحمن بما يصنع لهم والرحيم بما يدفع عنهم فالصنع بجميل الرعاية والدفع بحسن العناية.
قوله جل ذكره :
[سورة الفاتحة (١) : آية ٤]
مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)
المالك من له الملك، وملك الحق سبحانه وتعالى قدرته على الإبداع، فالملك مبالغة من المالك وهو سبحانه الملك المالك، وله الملك. وكما لا إله إلا هو فلا قادر على الإبداع إلا هو، فهو بإلهيته متوحد، وبملكه متفرد، ملك نفوس العابدين فصرفها فى خدمته، وملك قلوب العارفين فشرّفها بمعرفته، وملك نفوس القاصدين

_
(١) تكملة فى الهامش استدرك بها الناسخ فأثبتناها فى موضعها.
(٢) وردت (أسرى) والأصح (أسدى).


الصفحة التالية
Icon