لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٤٧٦
القرار من العبد حتى يصل إلى اللّه فصاحب الإرادة لا يهدأ «١» ليلا ولا نهارا، ولا يجد من دون وصوله إليه - سبحانه - سكونا ولا قرارا، كما قال قائلهم :
ثم قطعت الليل فى مهمه لا أسدا أخشى ولا ذيبا
يغلبنى شوقى فأطوى السّرى ولم يزل ذو الشوق مغلوبا
و يقال تقيّدت دعوتهم بالغداة والعشىّ لأنها من الأعمال الظاهرة، والأعمال الظاهرة مؤقتة، ودامت إرادتهم فاستغرقت جميع أوقاتهم لأنها من الأحوال الباطنة، والأحوال الباطنة مسرمدة غير مؤقتة، فقال :«يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ» ثم قال :«يُرِيدُونَ وَجْهَهُ» أي مريدين وجهه فهى فى موضع الحال «٢».
ويقال أصبحوا ولا سؤال لهم من دنياهم، ولا مطالبة من عقباهم، ولا همّ سوى حديث مولاهم، فلما تجردوا للّه تمحضت عناية الحق لهم، فتولّى حديثهم وقال : ولا تطردهم - يا محمد - ثم قال : ما عليك من حسابهم من شىء فالفقير خفيف الظهر لا يكون منه على أحد كثير مئونة قال تعالى :«ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ».
لا تطالب بحسابهم ولا يطالبون بحسابك، بل كلّ يتولى الحقّ - سبحانه - حسابه فإن كان أمره خيرا فهو ملاقيه، وإن كان شرا فهو مقاسيه.
قوله جل ذكره :
[سورة الأنعام (٦) : آية ٥٣]
وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَ هؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣)
أمّا الفاضل فليشكر، وأمّا المفضول فليصبر.
ويقال سبيل المفضول على لسان المحبة الشكر، ولا يتقاصر شكره عن شكر الفاضل، قال قائلهم فى معناه :
أتانى منك سبّك لى فسبّي أليس جرى بفيك اسمى؟ فحسبي
(١) وردت (و لا يهدى) والصواب أن تكتب (و لا يهدأ) منعا للبس.
(٢) أي إن الجملة الفعلية (يريدون وجهه) تعرب حالا