لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٤٨
فتيّمها، وملك قلوب الواجدين فهيّمها. ملك أشباح من عبده فلاطفها بنواله وأفضاله، وملك أرواح من أحبهم (....) «١» فكاشفها بنعت جلاله، ووصف جماله. ملك زمام أرباب التوحيد فصرفهم حيث شاء على ما شاء ووفّقهم حيث شاء على ما شاء كما شاء، ولم يكلهم إليهم لحظة، ولا ملّكهم من أمرهم سنّة ولا خطرة، وكان لهم عنهم، وأفناؤهم له منهم «٢».
[فصل ] ملك قلوب العابدين إحسانه فطمعوا فى عطائه، وملك قلوب الموحدين سلطانه فقنعوا ببقائه. عرّف أرباب التوحيد أنه مالكهم فسقط عنهم اختيارهم، علموا أن العبد لا ملك له، ومن لا ملك له لا حكم له، ومن لا حكم له لا اختيار له، فلا لهم عن طاعته إعراض ولا على حكمه اعتراض، ولا فى اختياره معارضة، ولا لمخالفته تعرّض، «و يوم الدين».
يوم الجزاء والنشر، ويوم الحساب والحشر - الحق سبحانه وتعالى يجزى كلّا بما يريد، فمن بين مقبول يوم الحشر بفضله سبحانه وتعالى لا بفعلهم، ومن بين مردود بحكمه سبحانه وتعالى لا بجرمهم. فأمّا الأعداء فيحاسبهم ثم يعذبهم وأمّا الأولياء فيعاتبهم ثم يقربهم :
قوم إذا ظفروا بنا جادوا بعتق رقابنا
قوله جل ذكره :
[سورة الفاتحة (١) : آية ٥]
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)
معناه نعبدك ونستعين بك. والابتداء بذكر المعبود أتمّ من الابتداء بذكر صفته - التي هى عبادته واستعانته، وهذه الصيغة أجزل فى اللفظ، وأعذب فى السمع. والعبادة الإتيان بغاية ما فى (بابها) «٣» من الخضوع، ويكون ذلك بموافقة الأمر، والوقوف حيثما وقف الشرع.
والاستعانة طلب الإعانة من الحق.
والعبادة تشير إلى بذل الجهد والمنّة، والاستعانة تخبر عن استجلاب الطول والمنّة، فبالعبادة يظهر شرف العبد، وبالاستعانة يحصل اللطف للعبد. فى العبادة وجود شرفه، وبالاستعانة أمان تلفه. والعبادة ظاهرها تذلل، وحقيقتها تعزّز وتحمّل :
و إذا تذللت الرقاب تقربا منّا إليك، فعزّها فى ذلّها

_
(١) مشتبهة فى ص، وربما كانت (و أحبوه).
(٢) (له) هنا معناها لأجله اى أنه أفناهم من أنفسهم لأجله ليبقوا به، وكان الأسلم أن تكون العبارة :
و أفناؤهم منهم له ولكن حرص المصنّف على مراعاة الانسجام بين عنهم ومنهم.
(٣) وردت (بابه)


الصفحة التالية
Icon