لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٥٢٢
قال :«أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ» ادّعى الخيرية، وكان الواجب عليه - لولا الشقوة - أن يؤثر التذلّل على التكبّر، لا سيما والخطاب الوارد عليه من الحقّ.
ثم إنه وإن سلك طريق القياس فلا وجه له مع النّفس لأنه بحظ، فلم يزده قياسه إلا فى استحقاق نفيه إذ ادّعى الخيرية بجوهره «١»، ولم يعلم أن الخيرية بحكمه - سبحانه - وقسمته.
قوله جل ذكره :
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣]
قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣)
فارق بساط القربة فإنّ التكبّر والترفّع على البساط ترك للأدب، وترك الأدب يوجب الطرد.
و يقال من رأى لنفسه محلا أو قيمة فهو متكبّر، والمتكبّر بعيد عن الحق سبحانه، ورؤية المقام قدح فى الربوبية إذ لا قدر لغيره تعالى، فمن ادّعى لنفسه محلا فقد نازع الربوبية.
قوله جل ذكره :
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٤ الى ١٥]
قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥)
أجاب دعاءه فى الحال ولكن كان ذلك مكرا به لأنه مكّنه من مخالفة أمره إلى يوم القيامة، فلم يزده بذلك التمكين إلا شقوة. ليعلم الكافة أنه ليس كل إجابة للدعاء نعمة ولطفا بل قد تكون بلاء ومكرا.
قوله جل ذكره :
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٦]
قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦)
جاهر الحقيقة بالخلاف بعد ما أظهر من نفسه غاية الخلوص فى العبودية، فعلم أن جميع ما كان منه فى (سالف) «٢» حاله لم يصدر عن الإخلاص والصدق.
(١) حيث اعتبر النار خيرا من الطين.
(٢) وردت (سالك) والصواب أن تكون (سالف) اى سابق عهده قبل عصيانه.