لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٥٢٦
و لمّا أخرج آدم من الجنة وأسكن الأرض كلّف العمل والسعى والزرع والغرس، وكان لا يتجدد له حال إلا تجدّد بكاؤه، وجبريل - عليه السّلام - يأتيه ويقول :«أ هذا الذي قيل لك :«إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى»؟
فلم تعرف قدره. «فذق جزايا خلافك» فكان يسكن عن الجزع. ويقال بل الحكم بالخنوع كما قيل :
و جاشت إلىّ النفس أوّل مرة وزيدت على مكروهها فاستقرت
قوله جلّ ذكره : وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ.
كانت لا تصل يده إلى الأوراق حين أراد قطافها ليخصفها على نفسه، فلو لم تصل يده إلى تلك الشجرة - التي هى شجرة المحنة - لكان ذلك عناية بشأنه، ولكن وصلت يده إلى شجرة المحنة، تتمة للبلاء والفتنة، ولو لم تصل يده إلى شجرة الستر - إبلاغا فى القهر - لما خالف الأمر، ولما حصل ما حصل.
«وَناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ» : فكان ما داخلهما من الخجل أشدّ من كل عقوبة لأنهما لو كانا فى الغيبة عند سماع النداء فإن الحضور يوجب الهيبة، فلما ناداهما بالعتاب حلّ بهما من الخجل ما حلّ، وفى معناه أنشدوا :
و اخجلتا من وقوفي وسط دارهم إذ قال لى مغضبا : من أنت يا رجل؟.
قوله جل ذكره :
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٣]
قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣)
اعترفا بالظلم جهرا، وعرفا الحكم فى ذلك سرّا فقولهما :«رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا» اعتراف بالظلم من حيث الشريعة، وعرفان بأن المدار على الحكم من حيث الحقيقة، فمن لم يعترف بظلم الخلق طوى الشريعة «١»، ومن لم يعرف جريان حكم الحق فقد جحد الحقيقة،

_
(١) حتى يكون الشر منسوبا للإنسان كسبا.


الصفحة التالية
Icon