لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٥٧١
و يقال شتّان بين أمة وأمة! أمة خرج نبيهم عليه السّلام من بينهم أربعين يوما فعبدوا العجل، وأمة خرج نبيّهم - عليه السّلام - من بينهم وأتى نيف وأربعمائة سنة فمن ذكر بين أيديهم أن الشموس والأقمار أو شيئا من الرسوم والأطلال تستحق الإلهية أحرقوه بهممهم ويقال لا فصل بين الجسم والجسد، فكما لا يصلح أن يكون المعبود جسما لا يصلح أن يكون متصفا بما فى معناه، ولا أن يكون له صوت فإن حقيقة الأصوات مصاكّة الأجرام الصلبة، والتوحيد الأزلى ينافى هذه الجملة.
ويقال أجهل بقوم آمنوا بأن يكون مصنوعهم معبودهم! ولو لا قهر الربوبية وأنه تعالى يفعل ما يشاء - فأىّ عقل يقرّ مثل هذا التلبيس؟! قوله جل ذكره : أَ لَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَ لا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَ كانُوا ظالِمِينَ.
جعل من استحقاقه «١» نعوت الإلهية صحة الخطاب وأن تكون منه الهداية، وهذا يدل على استحقاق الحق بالنعوت «٢» بأنه متكلّم فى حقائق آزاله، وأنه متفرّد بهداية العبد لا هادى سواه. وفيه إشارة إلى مخاطبة الحق - سبحانه - وتكليمه مع العبد، وإنّ الملوك إذا جلّت رتبتهم استنكفوا أن يخاطبوا أحدا بلسانهم حتى قال قائلهم :
و ما عجب تناسى ذكر عبد على المولى إذا كثر العبيد
و بخلاف هذا أجرى الحقّ - سبحانه - سنّته مع عباده المؤمنين، أما الأعداء فيقول لهم :«اخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ» «٣» وأمّا المؤمنون فقال صلّى اللّه عليه وسلّم :«ما منكم إلا يكلمه ربّه ليس بينه وبينه ترجمان» «٤»، وأنشدوا فى معناه.
وما تزدهينا الكبرياء عليهم إذا كلّمونا أن نكلمهم مردّا

_
(١) وردت (استحقاقهم) وهى خطأ فى النسخ.
(٢) يشير القشيري بذلك إلى معارضة المعتزلة الذين ينفون الصفات الإلهية منعا للتعدد، واقتضاء حامل ومحمول.
(٣) آية ١٠٨ سورة المؤمنون.
(٤) في رواية مسلم عن عدى بن حاتم قال رسول اللّه (ص) :
«ما منكم من أحد إلا سيكلمه اللّه ليس بينه وبينه ترجمان) ص ٧٠٣ ح ٢ ط الحلبي.


الصفحة التالية
Icon