لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٥٧٦
قوله جل ذكره : إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ أي ملنا إلى دينك، وصرنا لك بالكلية، من غير أن نترك لأنفسنا بقية.
قوله جل ذكره : قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ وفى هذا لطيفة حيث لم يقل : عذابى لا أخلى منه أحدا، بل علّقه على المشيئة.
وفيه أيضا إشارة أن أفعاله - سبحانه - غير معلّلة بأكساب الخلق لأنه لم يقل :
عذابى أصيب به العصاة بل قال :«مَنْ أَشاءُ» وفى ذلك إشارة إلى جواز الغفران لمن أراد لأنه قال :«أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ» فإذا شاء ألا يصيب به أحدا كان له ذلك، وإلا لم يكن حينئذ مختارا.
ثم لمّا انتهى إلى الرحمة قال :«وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ» لم يعلّقها بالمشيئة لأنها نفس المشيئة ولأنها قديمة، والإرادة لا تتعلق بالقديم. فلمّا كان العذاب من صفات الفعل علّقه بالمشيئة، بعكس الرحمة لأنها من صفات الذات.
ويقال فى قوله تعالى :«وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ» مجال لآمال العصاة لأنهم وإن لم يكونوا من جملة المطيعين والعابدين والعارفين فهم «شَيْ ءٍ» «١».
قوله جل ذكره : فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ الَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ.
أي سأوجبها لهم، فيجب الثواب للمؤمنين من اللّه ولا يجب لأحد شىء على اللّه إذ لا يجب عليه شىء لعزّة فى ذاته «٢».
قوله هاهنا :«لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ» أي يجتنبون أن يروا الرحمة باستحقاقهم، فإذا اتقوا هذه الظنون، وتيقنوا أن أحكامه ليست معللة بأكسابهم - استوجبوا الرحمة، ويحكم بها لهم.

_
(١) اى ضمن (شى ء) التي فى الآية «وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ».
(٢) أي بخلاف المعتزلة الذين يقولون بالوجوب (على) اللّه، وشتان بين الوجوب (من) اللّه والوجوب (عليه) فالوجوب من اللّه فضل، والوجوب على اللّه إلزام. [.....]


الصفحة التالية
Icon