لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٦٠
الذي بقي فى ظلمات رعونته سواء عنده نصح المرشدين وتسويلات المبطلين، لأن اللّه سبحانه وتعالى نزع عن أحواله بركات الإنصاف، فلا يدرك بسمع القبول، ولا يصغى إلى داعى الرشاد، كما قيل :
و على النصوح نصيحتى وعلىّ عصيان النصوح
و يقال من ضلّ عن شهود المنّة عليه فى سابق القسمة توهّم أن الأمر من حركاته وسكناته فاتّكل على أعماله، وتعامى عن شهود أفضاله.
قوله جلّ ذكره :
[سورة البقرة (٢) : آية ٧]
خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٧)
الختم على الشيء يمنع ما ليس فيه أن يدخله وما فيه أن يخرج منه، وكذلك حكم الحقّ سبحانه بألا يفارق قلوب أعدائه ما فيها من الجهالة والضلالة، ولا يدخلها شىء من البصيرة والهداية. على أسماع قلوبهم غطاء الخذلان، سدّت تلك المسامع عن إدراك خطاب الحق من حيث الإيمان، فوساوس الشيطان وهواجس النفوس شغلتها عن استماع خواطر الحق.
وأمّا الخواص فخواطر العلوم وجولان تحقيقات المسائل فى قلوبهم شغلت قلوبهم عن ورود أسرار الحق عليهم بلا واسطة، وإنما ذلك لخاص الخاص، لذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«لقد كان فى الأمم محدّثون فإن يكن فى أمتى فعمر» «١» فهذا المحدّث مخصوص من الخواص كما أن صاحب العلوم مخصوص من بين العوام. وعلى بصائر الأجانب غشاوة فلا يشهدون لا ببصر العلوم ولا ببصيرة الحقائق، ولهم عذاب عظيم لحسبانهم أنهم على شى ء، وغفلتهم عما منوا من المحنة (و...)»
فى الحال والمال «٣»، فى العاجل فرقته، وفى الآجل حرقته.
قوله جلّ ذكره :
[سورة البقرة (٢) : آية ٨]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨)
(١) للحديث صورة أخرى «إن من أمتى مكلّمين ومحدّثين وإن عمر منهم».
(٢) مشتبهة فى ص.
(٣) والأرجح أنها (فى الحال والمآل) حتى تنسجم مع العاجل والآجل.