لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٦٠٦
الطالب واجد ولكن بعطائه، والراغب واصل ولكن إلى مبارّه. والسبيل سهل ولكن إلى وجدان لطفه، فأمّا الحقّ فهو عزيز وراء كل وصل وفصل، وقرب وبعد، وما وصل أحد إلا إلى نصيبه، وما بقي أحد إلا عن حظه، وفى معناه أنشدوا :
و قلن لنا نحن الأهلّة إنما نضىء لمن يسرى بليل ولا نقرى
فلا بذل إلا ما تزوّد ناظر ولا وصل إلا بالجمال الذي يسرى
قوله جل ذكره :
[سورة الأنفال (٨) : آية ١١]
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَ لِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَ يُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (١١)
غشيهم النّعاس تلك الليلة فأزال عن ظواهرهم «١» ونفوسهم كدّ الأغيار والكلال، وأنزل على قلوبهم روح الأمن، وأمطرت السماء فاغتسلوا بعد ما لزمتهم الطهارة الكبرى بسبب الاحتلام، واشتدت الأرض بالمطر فلم ترسب الأقدام فى رملها، وانتفى عن قلوبهم ما كانت الشياطين توسوس به إليهم أنه سيصيبهم العناء بسلوك رملها وبالانتفاء عن الغسل، فلمّا (....) «٢» الإحساس، واستمكن منهم النّعاس، وتداركتهم الكفاية والنصرة استيقنوا بأن الإعانة من قبل اللّه لا بسكونهم وحركتهم، وأشهدهم صرف التأييد وإتمام الكفاية وكما طهّر ظواهرهم بماء السماء طهّر سرائرهم بماء التحقيق عن شهود كلّ غير وكلّ غير وكلّ علّة، وصان أسرارهم عن الإصغاء إلى الوساوس، وربط على قلوبهم بشهودهم جريان التقدير على حسب ما يجرى الحقّ من فنون التصريف.
قوله جل ذكره : وَ يُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ.
(١) وردت (زواهرهم) والصواب أن تكون (ظواهرهم) لتتلاءم مع (نفوسهم)
(٢) مشتبهة وربما كانت (زايلهم)