لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٦١٠
و كذلك قال جل ذكره : وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى.
أي ما رميت بنفسك ولكنك رميت بنا، فكان منه (صلوات اللّه عليه) «١» قبض التراب وإرساله من يده ولكن من حيث الكسب، وكسبه موجد من اللّه بقدرته، وكان التبليغ والإصابة من قبل اللّه خلقا وإبداعا، وليس الذي أثبت ما نفى ولا نفى ما أثبت إلا هو، والفعل فعل واحد ولكن التغاير فى جهة الفعل لا فى عينه.
فقوله :«إِذْ رَمَيْتَ» فرق، وقوله :«وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى » جمع. والفرق صفة العبودية، والجمع نعت الربوبية، وكلّ فرق لم يكن مضمّنا بجمع وكلّ جمع لم يكن - فى صفة العبد - مؤيّدا بفرق فصاحبه غير سديد الوتيرة.
وإن الحقّ - سبحانه - يكل الأغيار إلى ظنونهم، فيتيهون فى أودية الحسبان، ويتوهمون أنهم منفردون بإجراء ما منهم، وذلك منه مكر بهم.
قال اللّه تعالى :«وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً» «٢» وأما أرباب التوحيد فيشهدهم مطالع التقدير، ويعرّفهم جريان الحكم، ويريهم أنفسهم فى أسر التصريف، وقهر الحكم.
وأمّا الخواص من الأولياء وأصحاب العرفان فيجرى عليهم ما يجرى و(ما) «٣» لهم إحساس بذلك، مأخوذون يثبتهم بشواهد النظر والتقدير، ويتولّى حفظهم عن مخالفة الشرع.
قوله جل ذكره : وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً.
البلاء الاختبار «٤»، فيختبرهم مرة «٥» بالنعم ليظهر شكرهم أو كفرانهم، ويختبرهم أخرى بالمحن ليظهر صبرهم، أو ذكرهم أو نسيانهم.
(١) أضفنا (صلوات اللّه عليه) ليتضح اتجاه المعنى.
(٢) آية ١٠٤ سورة الكهف.
(٣) سقطت (ما) من الناسخ والمعنى يتطلبها إذ هم لا إحساس لهم بما يجرى عليهم من حكم وتصريف.
(٤) وردت (الاختيار) بالياء وهى خطأ فى النسخ.
(٥) وردت (مر) بدون تاء مربوطة والصواب أن تكون بها.