لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٦٢٠
قوله جل ذكره :
[سورة الأنفال (٨) : آية ٣٠]
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠)
ذكره عظيم منّته عليه حيث خلّصه من أعدائه حين خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة، وهمّوا بقتله، وحاولوا أن يمكروا به فى السّر، فأعلمه اللّه ذلك.
والمكر إظهار الإحسان مع قصد الإساءة فى السّر، والمكر من اللّه الجزاء على المكر، ويكون المكر بهم أن يلقى فى قلوبهم أنه محسن إليهم ثم - فى التحقيق - يعذّبهم، وإذا شغل قوما بالدنيا صرف همومهم إليها حتى ينسوا أمر الآخرة، وذلك مكر بهم، إذ يوطّنون نفوسهم عليها، فيتيح لهم من مأمنهم سوءا، ويأخذهم بغتة.
ومن جملة مكره اغترار قوم بما يرزقهم من الصيت الجميل بين الناس، وإجراء كثير من الطاعات عليهم، فأسرارهم تكون بالأغيار منوطة، وهم عن اللّه غافلون، وعند الناس أنهم مكرمون، وفى معناه قيل :
و قد حسدونى فى قرب دارى منكم وكم من قريب الدار وهو بعيد
قوله جل ذكره :
[سورة الأنفال (٨) : آية ٣١]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١)
فرط جهلهم، وشؤم جحدهم ستر على عقولهم قبح دعاويهم فى القدرة على معارضة القرآن فافتضحوا عند الامتحان بعدم البرهان، والعجز عما وصفوا به أنفسهم من الفصاحة والبيان، وقديما قيل :
من تحلّى بغير ما هو فيه فضح الامتحان «١» ما يدّعيه

_
(١) وردت (الامتهان) بالهاء والصواب أن تكون بالحاء. [.....]


الصفحة التالية
Icon