لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٦٣٨
على القتال كانت لهم قوة، وبأمر اللّه كانت لهم قوة فقوة الصحابة كانت بالنبي - عليه الصلاة والسّلام، وتحريضه إياهم وقوتهم بذلك كانت باللّه وبأمره إياه.. وشتّان ما هما! قوله : الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً : والضّعف الذي علم فيهم كان ضعف الأشباح فخفّف عنهم، أما القلوب فلم يتداخلها الضعف فحمل من ممارسة القتال بالعذر المذكور فى الكتاب.
والعوام يحملون المشاقّ بنفوسهم وجسومهم، والخواص بقلوبهم وهممهم، وقالوا :
«و القلب يحمل ما لا يحمل البدن» وقال آخر.
وإن ترونى أعاديها فلا عجب على النفوس جنايات من الهمم
قوله جل ذكره :
[سورة الأنفال (٨) : آية ٦٧]
ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧)
أي لا ينبغى لنبى من الأنبياء - عليهم السّلام - أن يأخذ أسارى من أعدائه ثم يرضى بأن يأخذ منهم الفداء، بل الواجب عليه أن يثخن فى الأرض أي يبالغ فى قتل أعدائه - إذ يقال أثخنه المرض إذا اشتدّ عليه. وقد أخذ النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدر منهم الفداء، وكان ذلك جائزا لوجوب القول بعصمته، ولكن لو قاتلتم كان أولى. وأراد ب «عَرَضَ الدُّنْيا» أخذ الفداء، واللّه جعل الفداء، واللّه جعل رضاه فى أن يقاتلوهم، وحرمة «١» الشرع خلاف رحمة الطبع فشرط العبودية أن يؤثر العبد اللّه، وإذا كان الأمر بالغلظة فكما قال تعالى :«وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ» «٢».

_
(١) وردت (و رحمة) الشرع والصواب (و حرمة الشرع) والمعنى إن اتباع الأمر أولى من تحكيم عاطفة الرحمة بهم.
(٢) آية ٢ سورة النور.


الصفحة التالية
Icon