لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٧٢
النبوية إلا جحدا على جحد، وما خفى عليهم اليوم صادق الدلالة، إلا لما تقدم لهم سابق الضلالة. لذلك قال اللّه تعالى :«وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ».
قوله جل ذكره :
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٧]
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٢٧)
الإشارة فيه إلى حال من سلك طريق الإرادة، ثم رجع إلى ما هو عليه أهل العادة، قال بترك نفسه ثم لم يصدق حين عزم الأمر، ونزل من إشارة الحقيقة إلى رخص الشريعة «١»، وكما أنّ من سلك الطريق بنفسه - مادام يبقى درهم فى كيسه - فغير محمود رجوعه فكذلك من قصد بقلبه - مادام يبقى نفس من روحه - فغير مرضىّ رجوعه :
إن الألى ماتوا على دين الهدى وجدوا المنية منهلّا معلولا «٢»
و يقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل : وصل أسباب الحق بقطع أسباب الخلق، ولا يتم وصل ماله إلا بقطع ما لك، فإذا كان الأمر بالعكس كان الحال بالضد.
ومما أمر العبد بوصله : حفظه ذمام أهل هذه الطريقة، والإنفاق على تحصيل ذلك بصدق الهمم لا ببذل النّعم، فهممهم على اتصال أسباب هذه الطريقة وانتظام أحوالها موقوفة، وقلوبهم إلى توقع الحراسة من اللّه تعالى لأهلها مصروفة. وفساد هذه الطريقة فى الأرض :
أما من لهم حواشى أحوالهم، وإطراق أمورهم فيتشاغلون عن إرشاد مريد بكلامهم، وإشحاذ قاصد بهممهم وذلك مما لا يرضى به الحق سبحانه منهم.
ومن نقض العهد أيضا أن يحيد سرّك لحظة عن شهوده، ومن قطع ما أمرت بوصله

_
(١) من عناصر المذهب الصوفي عند القشيري إلحاحه الدائم على ألا يلجأ الصوفي إلى الاسترخاص، ذلك لأن الرخصة - وإن كانت متاحة بأمر الشريعة - إلا أنها - أي الشريعة - للعموم، وفيها يؤخذ فى الاعتبار أمر المستضعفين وأصحاب الأشغال والحوائج أما «هؤلاء الطائفة فليس لهم شغل سوى القيام بحقه سبحانه، فإذا انحط الفقير عن درجة الحقيقة إلى رخصة الشريعة فقد فسخ عهده مع اللّه تعالى».
الرسالة ص ١٩٩.
(٢) وردت (الهوى) وفى موضع آخر من اللطائف (و ١٦٥) وردت :(منهلا معسولا).


الصفحة التالية
Icon