لطائف الإشارات، ج ١، ص : ٧٦
و يقال إنى أعلم ما لا تعلمون من انكسار قلوبهم وإن ارتكبوا قبيح أفعالهم، وصولة قلوبكم عند إظهار تسبيحكم وتقديسكم، فأنتم فى رتبة وفاقكم وفى عصمة أفعالكم، وفى تجميل تسبيحكم، وهم منكرون عن شواهدهم، متذللون بقلوبهم، وإن لانكسار قلوب العباد عندنا لذماما قويا.
ويقال أي خطر لتسبيحكم لو لا فضلى، وأي ضرر من ذنوبهم إذا كان عفوى؟ ويقال لبّستكم طاعتكم ولبستهم رحمتى، فأنتم فى صدار «١» طاعتكم وفى حلّة تقديسكم وتسبيحكم، وهم فى تغمد عفوى وفى ستر رحمتى ألبستهم ثوب كرمى، وجللتهم رداء عفوى.
ويقال : إن أسعدتكم عصمتى فلقد أدركتهم رحمتى.
وإيصال عصمتى بكم عنده وجودكم وتعلّق رحمتى بهم فى أزلى.
ويقال : لئن كان محسنكم عتيق العصمة فإن مجرمهم غريق الرحمة.
ويقال : اتكالهم علىّ زكّى أحوالهم فألجأهم إلى الاعتراف بالجهالة حتى يتبرأوا عن المعارف إلا بمقدار ما منّ به الحق عليهم فقالوا :«سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا».
قوله جل ذكره :
[سورة البقرة (٢) : آية ٣١]
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١)
عموم قوله الأسماء يقتضى الاستغراق، واقتران قوله سبحانه بكلها يوجب الشمول والتحقيق، وكما علّمه أسماء المخلوقات كلها - على ما نطق به تفسير ابن عباس وغيره - علّمه أسماء الحق سبحانه، ولكن إنما أظهر لهم «٢» محل تخصصه فى علمه أسماء المخلوقات وبذلك المقدار بان رجحانه عليهم، فأما انفراده بمعرفة أسمائه - سبحانه - فذلك سرّ لم يطّلع عليه ملك مقرّب. ومن ليس له رتبة مساواة آدم فى معرفة أسماء المخلوقات فأى طمع فى مداناته فى أسماء الحق، ووقوفه على أسرار الغيب؟
و إذا كان التخصيص بمعرفة أسماء المخلوقات يتقضى أن يصحّ (به سجود) «٣» الملائكة
(١) الصدار قميص صغير يلى الجسد، ولاحظ مقابلة القشيري بين الصدار للملائكة وبين الثوب والرداء للإنسان لتدرك مقاصده البعيدة.
(٢) أي للملائكة.
(٣) وردت فى ص (بسجود) ونرجح أنها كما أثبتنا.