لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ١٢٦
تكدّر ما صفا من النّعم، وتغيّر ما أتيح من الإحسان والمنن حال معهودة وخطّة عامة، فلا أحد إلا وله منها خطّة «١» فمن لم يرجع بالتأسّف قلبه، ولم يتضاعف فى كل نفس تلهفه وكربه ففى ديوان النسيان، وأثبت اسمه فى جملة أهل الهجران. ومن استمسك بعروة التضرع، واعتكف بعقوة التذلل، احتسى كاسات الحسرة عللا بعد نهل طاعته للحق بنعت الرحمة، وجدّد له ما اندرس من أحوال القربة، وأطلع عليه شمس الإقبال بعد الأفول والغيبة، كما قيل
تقشّع غيم الهجر عن قمر الحبّ وأشرق نور الصبح فى ظلمة الغيب
و ليس للأحوال الدنيوية خطر فى التحقيق، ولا يعدّ زوالها وتكدرها من جملة المحن عند أرباب التحصيل، لكنّ المحنة الكبرى والرزية العظمى ذبول غصن الوصال وتكدر مشرب القرب، وأفول شوارق الأنس، ورمد بصائر أرباب الشهود... فعند ذلك تقوم قيامتهم، وهناك تسكب العبرات. ويقال إذا نعق فى ساحات هؤلاء غراب البين ارتفع إلى السماء نواح أسرارهم بالويل، ومن جملة ما يبثون من نحييهم ما قلت.
قو لا لمن سلب الفؤاد فراقه ولقد عهدنا أن يباح عتاقه
بعد الفراق... فبالذى هو بينا هلّا رحمتم من دنا إزهاقه؟
عهدى بمن جحد الهوى أزمان ك نّا بالصبابة - لا يضيق نطاقه.
و الآن مذ بخل الزمان بوصلنا ضاق البسيطة. حين دام فراقه.
هل ترتجى من وصل عزّك رجعة تحنو على قمر يذوم محاقه؟
إن كان ذاك كما تروم فأخبروا أنّى له أن يعود شروقه «٢»؟
قوله جل ذكره :
[سورة هود (١١) : آية ١٠]
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠)
(١) (الخطة) بضم الخاء الأمر والحالة، و(و الخطة) بكسر الخاء ما يختطه الإنسان لنفسه من قدر معلوم من الأرض ونحوها.
٢) الأبيات فى هذا النص وصلتنا مضطربة الوزن سيئة الخط. مطموسة الكلمات فى كثير من المواضع وقد تدخلنا فيها بقدر يسمح بإظهار المعنى وتناسق السياق.