لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ١٣
من ظنّ أنه يقنع منه بالدعوى - دون التحقق بالمعنى - فهو على غلط فى حسبانه.
والذي طالبهم به من حيث الأمر صدق المجاهدة فى اللّه، وترك الركون إلى غير اللّه، والتباعد عن مساكنة أعداء اللّه.. ثقة باللّه، واكتفاء باللّه، وتبرّيا من غير اللّه.
وهذا الذي أمرهم به ألا يتخذوا من دون المؤمنين وليجة فالمعنى فيه : ألا يفشوا فى الكفار أسرار المؤمنين.
وأول من يهجره المسلم - لئلا تطّلع على الأسرار - نفسه التي هى أعدى عدوّه، وفى هذا المعنى قال قائلهم :
كتابى إليكم بعد موتى بليلة ولم أدر أنّى بعد موتى أكتب
و يقال : إن أبا يزيد «١» - فيما أخبر عنه - أنه قال للحقّ فى بعض أوقات مكاشفاته :
كيف أطلبك؟ فقال له : فارق نفسك.
ويقال إن ذلك لا يتمّ، بل لا تحصل منه شظيّة إلا بكىّ عروق الأطماع والمطالبات لما فى الدنيا ولما فى العقبى ولما فى رؤية الحال والمقام - ولو بذرّة. والحرية عزيزة «٢»..
قال قائلهم :
أ تمنى على الزمان محالا أن ترى مقلتاى طلعة حرّ
قوله جل ذكره :
[سورة التوبة (٩) : آية ١٧]
ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَ فِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (١٧)
١) هو أبو يزيد البسطامي كان جده (سروشان) مجوسيا وأسلم، وهو أحد إخوة ثلاثة كانوا جميعا زهادا وأصحاب أحوال، مات سنة ٢٦١، وقيل سنة ٢٣٤ (طبقات السلمى) و(رسالة القشيري).
(٢) (و الحرية عزيزة) هنا معناها نادرة الوجود.