لطائف الإشارات، ج ٢، ص : ١٦٦
و قيل هذا تعريفنا : إليك بالتخصيص، وإفرادنا لك بالتقريب - قد حقّقناه لك فهذه الحروف بيان للإنجاز ولتحقيق الموعود.
والإشارة من «الْكِتابِ الْمُبِينِ» هاهنا إلى حكمه السابق له بأنّ يرقّيه إلى الرتبة التي لا يبلغها غيره، وقد قال تعالى :«وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا..» «١» أي حين كلّمنا موسى عليه السلام، وأخبرناه بعلوّ قدرك، ولم تكن حاضرا، وأخبرناه بأننا نبلغّك هذا المقام الذي أنت فيه الآن. وكذلك كلّ من أوحينا إليه ذكرنا له قصتك، وشرحنا له خلقتك، فالآن وقت تحقيق ما أخبرنا به، وفى معناه أنشدوا :
سقيا لمعهدك الذي لو لم يكن ما كان قلبى للصبابة معهدا
قال اللّه تعالى :«وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ» يعنى بعد التوراة «أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ» «٢» يعنى أمة محمد.
قوله جل ذكره :
[سورة يوسف (١٢) : آية ٢]
إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢)
فى إنزال الكتاب عليه، وإرسال الرسول «٣» إليه - تحقيق لأحكام المحبة، وتأكيد لأسباب الوصلة فإنّ من عدم حقيقة الوصول استأنس بالرسول، ومن بقي عن شهود الأحباب تسلّى بوجود الكتاب، قال قائلهم :
و كتبك حولى لا تفارق مضجعى ففيها شفاء للذى أنا كاتم
قوله جل ذكره :
[سورة يوسف (١٢) : آية ٣]
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَ إِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (٣)
«أَحْسَنَالْقَصَصِ»
: لخلوّه عن الأمر والنهى الذي سماعه يوجب اشتغال القلب بما هو يعرّض لوقوع التقصير.
«أَحْسَنَ الْقَصَصِ» : ففيه ذكر الأحباب.
(١) آية ٤٦ سورة القصص.
(٢) آية ١٠٥ سورة الأنبياء.
(٣) (الرسول) هنا مقصود به القرآن الكريم أو جبريل - كما هو واضح من السياق.